فالمكية الاولى في الأعراف تحرّم السكر ضمن تحريم الإثم ، والثانية في النحل تعتبره رزقا سيّئا ، ثم المدنية الاولى في البقرة تكبّر ائمه ، ثم الثانية في المائدة تجرفها جرفا محيقا سحيقا «فهل أنتم منهون»؟ وهنا بعد (سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وتراها آية لمن لا يعقل بسكره ، بل هي آية حين عقله ، ولكي ينتهي عنه.
إذا فالرواية القائلة انها منسوخة بآية المائدة (١) مأوّلة أو ممسوخة.
وقد تنص على حرمة الخمر آيات من التورات والإنجيل (٢) وشرعة الإسلام لم تنسخ ـ فيما نسخت منهما ـ حكم الخمر ، لأنها من المحرمات
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٦٣ في تفسير العياشي عن سعيد بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ان الله امر نوحا ان يحمل في السفينة من كل زوجين اثنين فحمل النخل والعجوة فكانا زوجا فلما نضب الماء امر الله نوحا ان يغرس الجبل وهي الكرم فأتاه إبليس فمنعه عن غرسها وأبى نوح إلا ان يغرسها وابى إبليس ان يدعه يغرسها وقال ليس لك ولا لأصحابك انما هي لي ولاصحابي فتنازعا ما سألته ثم انهما اصطلحا على ان جعل نوح لإبليس سهما ولنوح ثلثه وقد انزل الله لنبيه في كتابه ما قد قرأتموه (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) فكان المسلمون بذلك ثم انزل الله آية التحريم (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ) ـ الى ـ (مُنْتَهُونَ) يا سعيد فهذه آية التحريم وهما نسخت الآية الأخرى.
أقول : والرواية على ما فيها من نسبة التقسيم الى نوح وهي غير صالحة لرسل الله ، هي مخالفة للآيات الثلاث مكية ومدنية ، النازلة قبل آية المائدة ، الا ان يعنى نسخ الحد الخفيف من تحريم الخمر لا اصل التحريم.
(٢) نقلناها كلها في تفسير آية المائدة وهي خمسة عشر آية ، اثنتان في الإنجيل (لوقا ١ : ١٥) (كتاب بولس الى افسيين ١٨) والباقية في التورات وهي (لاويين ١٠ : ٨ ـ ٩) (اشعياءه : ١١ ـ ١٢) و ٢٢ و ٢٨ : ١ و ٣ و ٧) (ناحوم ١ : ١٠ ـ ١٢) (هوشع ٤ : ١١ و ١٨) (أمثال سليمان ٢٠ : ١ و ٢ و ٢٣ : ١٩ ـ ٢٠ و ٢٩ ـ ٣٥ و ٣١ : ٤ ـ ٥) (حبقوق ٣ : ٥) (تثنية ٢١ : ٢١ ـ ٢٢).