تعنتا على الرب ان ينزله ، وانما (مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ) فهو الحق مصدرا وصادرا ومحطة دون اية ريبة.
ولماذا (نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ)؟ ألحاجة الرسول الى وسيط في ذلك التنزيل؟ وهو أعلى محتدا وأوسع صدرا من جبريل ومن فوقه! وقد اوحي اليه ليلة المعراج دون اي وسيط ملائكي وسواه!
كلا! وإنما ذلك (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) على الإيمان بانه بشر رسول كما يثبتهم على أنه آية إلهية ، فلو أوحي إليه دون وسيط لخيّل إلى بسطاء الإيمان أمّن فوقهم معهم ـ أنه إله ، كما قالوا في المسيح (عليه السلام) إذ ولد دون أب ، ومعجزة القرآن أغلى بكثير وأقوى من هذه الولادة بسائر الآيات لوليدها وسائر رجالات الوحي.
صحيح ان المؤمنين لم يكونوا ليروا روح القدس ، ولكن إخبار الصادق الأمين انه نزله روح القدس يكفيهم تصديقا لهذا الواقع المكرور طيلة الرسالة ، وكما صدقوا رسالته من ذي قبل.
و (الَّذِينَ آمَنُوا) هنا تعم من كان يفتش عن ذلك الإيمان قبل وصوله اليه ، متثبتا عنه حتى وصل اليه فثبتّه على ذلك الإيمان لأن آية إلهية تمس القلوب والعقول ، ومن آمن به حيث يزداده ذلك التنزل تدريجيا ايمانا على ايمان ، وانه ليس وحيا لفترة قصيرة قاصرة ، وانما هو أجزاء متلاحقة لصق بعض نورا على نور ، ثم والذين يؤمنون بعد ارتحال الرسول ، حيث الآية الباقية بعد الرسول تثبيت على الايمان ، دون الآية الماضية مع الرسول حيث المؤمن الآتي بعده لا يجد سبيلا لتثبيت الايمان فضلا عن بدايته.