حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٤ : ١٨).
فالجهالة في عمل السوء هي المحور في وعد المغفرة ، محتومة ام جائزة ، وتقابل الجهالة بالتوبة المسوّفة الى الموت ، توسّع نطاقها مهما كان أقربها (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) فغير المعاند ، او المكابر والناكر ، ليست سيئته الا عن جهالة وغلبة الشقوة او الشهوة ، دونما معاندة للحق ، فمهما كانت السيئة كبيرة ومتواصلة ولكنها قابلة المغفرة ما دامت هي عن جهالة ، فالتوبة الصالحة قبل الموت وأشراطه ، وإصلاح ما أفسد حسب المستطاع ، هما مع الجهالة زوايا ثلاث لقاعدة الرحمة والمغفرة الموعودة ، مهما اختلفت درجاتها حسب مدارج الجهالة والتوبة والإصلاح مادة ومدة وإخلاصا.
فهنالك في عمل السوء جهل قاصر وجهل مقصر وجهالة بعلم وعلم خالص ، والله تعالى يقبل التوبة فيها ـ على مراحلها ـ إلا الأخيرة ، فانها ليست توبة ، فانه عمل سوء على عمد ومكابرة ثم لم يتب (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) فإنه إيمان عند رؤية البأس ، خاويا عن حقه وحقيقته ، فلو آمن عندها حقا وأصلح قدر المستطاع فليس الله ليحرمه عفوه وغفره كما في قوم يونس : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (١٠ : ٩٨) ، وإلا الجاهل القاصر فانه غير عاص فلا توبة له حتى تغفر.
فالتوبة التي كتبها الله على نفسه هي فقط للذين عملوا السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، ام قبل الموت بأشراطه ، وهي التوبة الحقيقية رجوعا الى ايمان حال التوبة ، وان تابوا عند الموت دون قال التوبة مهما تابوا من قريب ، فالأصل في التوبة المقبولة إذا هي واقعها بإصلاح دون قالها ،