فَعَمَدتُ يَوما إلى شَيءٍ مِنَ الوَرِقِ ١ فَكانَت فِي الخِباءِ ، فَذَهَبتُ لاِخُذَها وأصرِفَها فيما كُنتُ عَلَيهِ ، فَمانَعَني عَن أخذِها ، فَأَوجَعتُهُ ضَربا ولَوَيتُ يَدَهُ ، وأخَذتُها ومَضَيتُ.
فَأَومَأَ بِيَدِهِ إلى رُكبَتَيهِ يَرومُ النُّهوضَ مِن مَكانِهِ ذلِكَ ، فَلَم يُطِق يُحَرِّكُها مِن شِدَّةِ الوَجَعِ وَالأَ لَمِ فَأَنشَأَ يَقولُ :
جَرَت رَحِمٌ بَيني وبَينَ مُنازِلٍ |
|
سَواءً كَما يَستَنزِلُ القَطرَ طالِبُه |
ورَبَّيتُ حَتّى صارَ جَلدا شَمَردَلاً ٢ |
|
إذا قامَ ساوى غارِبَ ٣ الفَحلِ غارِبُه |
وقَد كُنتُ اُوتيهِ مِنَ الزّادِ فِي الصِّبا |
|
إذا جاعَ مِنهُ صَفوُهُ وأطايِبُه |
فَلَمَّا استَوى في عُنفُوانِ شَبابِهِ |
|
وأصبَحَ كَالرُّمحِ الرُّدَينِيِّ خاطِبُه |
تَهَضَّمَني مالي كَذا ولَوى يَدي |
|
لَوى يَدَهُ اللّه الَّذي هُوَ غالِبُه |
ثُمَّ حَلَفَ بِاللّه لَيَقدَمَنَّ إلى بَيتِ اللّه الحَرامِ ، فَيَستَعدِي اللّه عَلَيَّ.
قالَ : فَصامَ أسابيعَ ، وصَلّى رَكَعاتٍ ، ودَعا ، وخَرَجَ مُتَوَجِّها عَلى عَيرانَةٍ ٤ ، يَقطَعُ بِالسَّيرِ عَرضَ الفَلاةِ ، ويَطوِي الأَودِيَةَ ويَعلُو الجِبالَ ، حَتّى قَدِمَ مَكَّةَ يَومَ الحَجِّ الأَكبَرِ ، فَنَزَلَ عَن راحِلَتِهِ ، وأقبَلَ إلى بَيتِ اللّه الحَرامِ ، فَسَعى وطافَ بِهِ ، وتَعَلَّقَ بِأَستارِهِ وَابتَهَلَ ، وأنشَأَ يَقولُ :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١. الورق : الدّراهم المضروبة ، وفي الورق ثلاث لغات : وَرِق ، ووِرْق ، ووَرَق (الصحاح : ج ٤ ص ١٥٦٤ «ورق»).
٢. الشَّمَردَلُ : السريع من الإبل وغيره (الصحاح : ج ٥ ص ١٧٤١ «شمردل»).
٣. الغارِب : ما بين العُنُق والسَّنام ، وهو الذي يُلقى عليه خِطام البعير إذا اُرسِل (المصباح المنير : ص ٤٤٤ «غرب»).
٤. العَيرانة : ناقة تشبّه بالعَيْر أي الحمار الوحشي. في سرعتها ونشاطها (الصحاح : ج ٢ ص ٧٦٤ «عير»).