الباب الثالث
في بلوغنا إلى مدينة مراكش
وما كان السبب حتى مشيت إلى بلاد الفرنج
ولما أن بلغنا إلى محلة السلطان مولانا أحمد ابن مولاي محمد الشيخ الشريف الحسني وكان يقرب المدينة بنحو الستة أميال بسبب الوباء العظيم الذي نزل بتلك البلاد ، وكان عيد الأضحى في اليوم الآتي من بلوغنا ، وخرج السلطان في جنود ـ لم نظن ذلك ـ ، وعجبني حال الرماة فحزامهم هو أفضل وأحسن وأزين من حزام النصارى بكثير. وأما العرب الذين جاءوا وحضروا مع قوادهم ، فكانوا تسعا وعشرين ألف فارس وكذا مائة ما عدا السبيجية ، وفرسان المدينة ، والفرادة ، والجند كثير. وبعد ذلك دخلنا مراكش ، هي مدينة كبيرة ، وفواكهها كثيرة ، وعنبها ليس في الدنيا مثله. عرضها إحدى وثلاثون درجة ونصف. وطولها تسع دراج ، لأنها قريبة من الجزر الخالدات المسماة الآن بقنارية ، ومنها ابتدأ الطول وبعد أن دخل السلطان من المحلة وكان ذلك عام سبع وألف ، وأنعم علينا ، وأذن لنا في الدخول إلى حضرته في يوم الديوان ، ولما ابتدأت بالكلام الذي اخترته أن أقوله بحضرته العالية بصوت جهير سكت جميع الناس الحاضرون كأنها خطبة. ففرح السلطان وقال كيف يكون ببلاد الأندلس من يقول بالعربية مثل هذا الكلام ، لأنه كلام الفقها ، وفرح بذلك كافة الأندلس القدما ، ورأينا العافية والرخا في تلك البلاد إلى أن مات مولاي أحمد ـ رحمهالله ـ في مولد النبي صلىاللهعليهوسلم من سنة اثنتي عشرة وألف. وقامت القوام والهرج في المغرب كله ، ثم ثبت في المملكة مولانا زيدان ابن السلطان مولاي أحمد ـ رحمهماالله تعالى ـ وفي أيامه أمر السلطان النصراني ببلاد إشبانية ـ أعني بلاد الأندلس ـ المسم بفلب الثالث ـ من اسمه ـ بإخراج جميع المسلمين من بلاده ، وابتداء ذلك كان لسنة ثمان عشرة وألف. وآخر من خرج منهم كان عام عشرين وألف. وكان الأندلس يقطعون البحر في سفن النصارى بالكراء ، ودخل كثير منهم في سفن الفرنج ونهبوهم في البحر. وجاء إلى مراكش أندلس منهوبون من الفرنج من