الباب الثامن
في قدومنا إلى أولونه ،
ثم إلى مدينة برضيوش
ولما رأيت ما أظهر من النصيحة إلينا قائد الطابع ، مشينا إلى بلده ، ولما أن وصلنا إلى داره وكانت خارجا عن البلد على قرب نهر ، وهي مانعة كبيرة ، مبنية بالحجر المنجور ، وفيها بعض المدافع وبقربها بستان كبير وغابات ، وبلاد واسعة للزرع ، كل ذلك للقائد المذكور. وأقبلت علينا زوجته وخدامها من البنات والرجال. وكانت في تلك الديار بنت من قرابته ذات مال عظيم مما ترك لها والديها ، وهي من أربع وعشرين سنة ، ولها من الحسن والجمال كثير ، وطلبها للزواج كثير من أكابر أهل بلادهم ، ولم ترض بأحد منهم. وقدموا لي مع أصحابي طعاما ، فلم نأكل منه. قلت لهم : هذا ممنوع في ديننا. ثم أعطوني ما ذكرنا لهم. ثم جاءت البنت ، وقالت لي أن أصف لها حال النسا التي هن غاية الحسن والملاحة عندنا ، وذكرت لها ما تيسر. قالت : أنتم على الحق وذلك أنها كانت بيضا بشيء من الحمرة ، وشعرها أسود ، وشعر الحواجب ، وأشفار العين ، وكحل العين في غاية. والمرأة عند الفرنج على هذه الحالة مهمولة عندهم في الحسن ويقولون أنها سودا. وقد كنت أذكر لأصحابي بعض الحكايات فيما وقع للرجال الصلحاء الواقفين على الحدود ، لنقويهم على نفوسهم ونفسي على دعاوي النفس والشيطان في شأن المحرمات ، لأن بسبب الحريم المكشوف كان الشيطان يوسوسنا كثيرا وكنا صابرين ، وكانت البنت تزين نفسها وتسألني : هل في بلادنا من يلبس لباسات الحرير مثلها؟ ثم قالت : لي : أعلمك تقرأ بالفرنج. وصرت تلميذا لها ، وأخذت في إكرام أصحابي. كثرت المحبة بيننا حتى ابتليت بمحبتها بلية عظيمة ، وقلت : قبل ذلك كنت في خصام مع النصارى على المال ، وفي الجهاد على الدين ، والآن هو الخصام مع النفس والشيطان. فالنفس تطلب قضا الغرض ، والشيطان يعينها ، والروح ينهي عن الحرام ، والعقل يحكم بينهما ، ومن الناس من يعبر بالقلب عن الروح. فالنفس تستعين بالشيطان لأنه من طبعها ، وهو