الباب السادس
في قدومنا إلى قاضي الأندلس
بفرنجة بكتاب السلطان
ولما خرجنا من بريش إلى مدينة برضيوش إلى قاضي الأندلس قالوا لنا هو في البلد الذي تخرج إليه الأندلس وهو البلد الأول من بلاد فرنجة القريب للحدود بين فرنجة وبلاد الأندلس ويسمى بسان جوان ذلز (٧٤) ، فمشيت إليه ، وذلك عام عشرين وألف ، وكانوا فيه آخر من خرج من الأندلس ، وذكر لي من جاء بعدهم رجل أندلسي من بلاد الثغر اسمه فلش : أن كتاب الديوان السلطاني بمذريل قالوا : بلغ نهاية جميع الأندلس بصغارهم لثمان مائة ألف مخلوق ، أكثرهم خرجوا بتونس ، وكان عثمان داي أميرا فيها ، وتكفل أمورهم بالسكنى في المدينة وغيرها في القرى ، وأحسن إليهم غاية الإحسان ـ أحسن الله إليه ـ ومات ـ رحمهالله ـ عام تسعة عشر وألف ، وكذلك الولي الشهير سيدي أبو الغيث القشاش (٧٥) ، كان يعطيهم في كل يوم نحو ألف وخمسمائة قرصة من الخبز صدقة ـ جزاهما الله خيرا كثيرا ـ. ولما التقيت بالقاضي كان يشكر لي دينه ، حتى قال لي مرارا : يا فلان ، رأيت أنه يليق بك أن ترجع نصرانيا ، قلت له : على أي مذهب من مذاهب النصارى؟ قال : ليس لنا إلا مذهب واحد ، قلت له : لو كان الله تعالى : يحيي نصرانيا من زمن سيدنا عيسى عليهالسلام ، ثم يحيي نصرانيا من كل قرن من القرون الماضية وجميعها ستة عشر قرنا ،
__________________
(٧٤) Saint ـ jean ـ de ـ luz.
(٧٥) انظر ترجمته عند المنتصر القفصي ، نور الأرماش ، في مناقب سيدي أبي الغيث القشاش ، مخطوط المكتبة الأحمدية بتونس رقم ٣٨٨٣.
وقد نشر عبد المجيد التركي الجزء المتعلق باهتمام أبي الغيث القشاش بالجالية الأندلسية بتونس. انظر مقاله : «وثائق عن الهجرة الأندلسية الأخيرة إلى تونس» ، حوليات الجامعة التونسية ، العدد ٤ ، ص. ٦٨ ـ ٧٠.