وما ذكرنا هو المستفاد من الآيات وقد صرح به الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام في بعض خطبه : قال :
«لا يقولنّ أحدكم : اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة ، لأنّه ليس أحد إلّا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلّات الفتن ، فانّ الله سبحانه يقول : (وَاعْلَمُوا انّما أَموالكُمْ وَأَولادكُمْ فِتْنَة) ومعنى ذلك انّه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه والراضي بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يُستحق الثواب والعقاب». (١)
إلى هنا تبين معنى مفردات الآية وسبب نزولها والآيات التي وردت في هذا الصدد في حقّ سائر الأُمم.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تفسير الآية.
يقول سبحانه : إنّ الابتلاء بالبأساء والضراء سنة إلهية جارية في الأُمم كافة ولا تختص بالأُمة الإسلامية ، فالتمحيص وتميز المؤمن الصابر عن غير الصابر رهن الابتلاء.
فلا يتمحض إيمان المسلم إلّا إذا غربل بغربلة الامتحان ليخرج نقياً. ولا يترسخ الإيمان في قلبه إلّا من خلال الصمود والثبات أمام أعاصير الفتن الهوجاء.
وكأنّ الآية تسلية لنبيه وأصحابه مما نالهم من المشركين وأمثالهم ، لأنّ سماع أخبار الأُمم الماضية يسهل الخطب عليهم ، وانّ البلية لا تختص بهم بل تعم غيرهم أيضاً ، ولذلك يقول : (أَمْ حَسِبْتُمْ) أي أظننتم وخلتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة (وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثلُ الّذين خَلوا مِنْ قَبْلِكُم) ، أي أن تدخلوا الجنة ولما تبتلوا وتمتحنوا بمثل ما ابتليت به الأُمم السالفة وامتحنوا به. فعليكم بالصبر والثبات كما صبر هؤلاء وثبتوا.
__________________
(١) نهج البلاغة : قسم الحكم : الحكمة ٩٣.