قلت : الجواب محذوف ، لأجل الوجازة ، وهو قوله «خمدت».
فإن قلت : فعلى هذا فبم يتعلّق قوله : (ذهب الله بنورهم؟)
قلت : هو كلام مستأنف راجع إلى بيان حال الممثل ، وتقدير الكلام هكذا : فلَمّا أَضاءَت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام متحيرين متحسرين على فوات الضوء ، خائبين بعد الكدح من إيقاد النار.
فحال المنافقين كحال هؤلاء ، أشعلوا ناراً ليستضيئوا بنورها لكن (ذَهَب الله بنورهم وتَرَكَهُمْ في ظُلمات لا يُبصرون).
وبكلمة موجزة : ما ذكرنا من الجمل هو المفهوم من الآية ، والإيجاز بلا تعقيد من شؤون البلاغة. (١)
فقوله سبحانه : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) بمعنى أنّ ذلك كان نتيجة نفاقهم وتمرّدهم وبالتالي تبدّد قابليتهم للاهتداء بنور الحقّ (فَتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُون) أي في أهوائهم وسوء اختيارهم يتخبّطون في ظلمات الضلال ، لايبصرون طريق الحقّ والرشاد.
ترى أنّ التمثيل يحتوي على معاني عالية وكثيرة بعبارات موجزة ، ولو حاول القرآن أن يبيّن تلك المعاني عن غير طريق التمثيل يلزم عليه بسط الكلام كما بسطناه ، وهذا من فوائد المثل ، حيث يؤدي معاني كثيرة بعبارات موجزة.
ثمّ إنّه سبحانه يصفهم بأنّهم لما عطّلوا آذانهم فهم صمّ ، وعطّلوا ألسنتهم فهم بكم ، وعطّلوا عيونهم فهم عمي ، وقال : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون).
والمراد من التعطيل أنّهم لم يكونوا ينتفعون بهذه الأدوات التي بها تعرف
__________________
(١) لاحظ الكشاف : ١ / ١٥٣.