احمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد التنوخي. ولد في المعرة سنة ٣٦٣ هـ وكان أبوه من أهل الأدب وتولى جدّه القضاء فيها. وكانت أمه ايضاً من أسرة وجيهة يعرفون بآل سبيكة ، اشتهر منهم غير واحد بالوجاهة والأدب وكانت المعرة تحت سيطرة الدولة الحمدانية بحلب وأميرها يومئذ سعد الدولة أبو المعالي.
ولم يتم أبو العلاء الثالثة من عمره حتى أصابه الجدري فذهب بيسرى عينيه وغشي يمناها بياض. فكفّ بصره وهو طفل وكان يقول : « لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني البست في الجدري ثوباً مصبوغاً بالعصفر ». لقنه أبوه النحو واللغة في حداثته ثم قرأ على جماعة من أهل بلده ـ ولما أدرك العشرين من عمره عمد الى سائر علوم اللغة وآدابها فاكتسبها بالمطالعة والاجتهاد ـ وكان يقيم أناساً يقرأون له كتبها وأشعار العرب وأخبارهم. وهو قوي الحافظة الى ما يفوق التصديق.
وكان مطبوعاً على الشعر نظمه قبل أن يتم الحادية عشرة من عمره. ولم يمنعه العمى من مباراة بأرباب القرائح في ما اشتغلوا به حتى في العابهم فقد كان يلعب الشطرنج والنرد ويجيد لعبهما لا يرى في العمى نقصاً. بل هو كان يقول « احمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر » وكان يرتزق من وقف يحصل له منه ثلاثون ديناراً في العام ينفق نصفها على مَن يخدمه.
ورحل في طلب العلم على عاداتهم في ذلك العهد فأتى طرابلس واللاذقية وسواهما من بلاد الشام وأخذ فلسفة اليونان عن الرهبان ـ ثم رحل الى بغداد سنة ٣٩٨ وشهرته قد سبقته اليها فاستقبله علماؤها بالحفاوة. واطلع في أثناء اقامته هناك على فلسفة الهنود والفرس فضلاً عن سائر العلوم. حتى اذا نضج عقله وأمعن النظر في الوجود رأى الدنيا كما هي فزهد فيها وعزم على الاعتزال ليتسنى له التأمل والتفكير. فغادر بغداد سنة ٤٠٠ هـ وأتى المعرة ولزم بيته وسمى نفسه « رهين المحبسين » وأخذ بالتأليف والنظم وتدوين أفكاره وآرائه