وأخرج ابن عساكر عن مجاهد أنه قال : لما صدر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالأسارى من بدر أنفق سبعة من المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن وسعد وأبو عبيدة بن الجراح على أسارى مشركي بدر ، فقالت الأنصار : قتلناهم في الله وفي رسوله صلىاللهعليهوسلم وتعينونهم بالنفقة؟ فأنزل الله تعالى فيهم تسعة عشرة آية (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ) ـ إلى قوله تعالى ـ (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) [الإنسان : ٥ ـ ١٨] ففيه دليل على أن إطعام الأسارى وإن كانوا من أهل الشرك حسن ويرجى ثوابه ، والخبر الأول قال ابن حجر لم يذكره من يعتمد عليه من أهل الحديث. وقال ابن العراقي : لم أقف عليه ، والخبر الثاني لم أره لفرد غير ابن عساكر ولا وثوق لي بصحته وهو يقتضي مدنية هذه الآيات وقد علمت الخلاف في ذلك نعم عند عامة العلماء يجوز الإحسان إلى الكفار في دار الإسلام ولا تصرف إليهم الواجبات. وقال ابن جبير وعطاء : هو الأسير من أهل القبلة. قال الطيبي هذا إنما يستقيم إذا اتفق الإطعام في دار الحرب من المسلم لأسير في أيديهم. وقيل هو الأسير المسلم ترك في بلاد الكفار رهينة وخرج لطلب الفداء. وروى محيي السنة عن مجاهد وابن جبير وعطاء أنهم قالوا : هو المسجون من أهل القبلة وفيه دليل على أن إطعام أهل المحبوس المسلمين حسن ، وقد يقال : لا يحسن إطعام المحبوس لوفاء دين يقدر على وفائه إنما امتنع عنه تعنتا ولغرض من الأغراض النفسانية. وعن أبي سعيد الخدري هو المملوك والمسجون وتسمية المسجون أسيرا مجاز لمنعه عن الخروج ، وأما تسمية المملوك فمجاز أيضا لكن قيل باعتبار ما كان وقيل باعتبار شبهه به في تقييده بإسار الأمر وعدم تمكنه من فعل ما يهوى وعد الغريم أسيرا لقوله صلىاللهعليهوسلم : «غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك» وهو على التشبيه البليغ إلّا أنه قيل في هذا الخبر ما قيل في الخبر الأول وقال أبو حمزة اليماني : هي الزوجة وضعّفه هاهنا ظاهر (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) على إرادة قول هو في موضع الحال من فاعل (يُطْعِمُونَ) أي قائلين ذلك بلسان الحال لما يظهر عليهم من أمارات الإخلاص وعن مجاهد إما إنهم ما تكلموا به ولكن علمه الله تعالى منهم فأثنى سبحانه به عليهم ليرغب فيه راغب أو بلسان المقال إزاحة لتوهم المن المبطل للصدقة وتوقع المكافأة المنقصة للأجر وعن الصديقة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل الرسول ما قالوا فإذا ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى لها ثواب الصدقة خالصا عند الله عزوجل. وجوز أن يكون قولهم هذا لهم لطفا وتفقيها وتنبيها على ما ينبغي أن يكون عليه من أخلص لله تعالى وليس بذاك وقوله سبحانه (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً) بالأفعال (وَلا شُكُوراً) ولا شكرا وثناء بالأقوال تقرير وتأكيد لما قبله (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً) أي عذاب يوم فهو على تقدير مضاف أو أن خوفه كناية عن خوف ما فيه (عَبُوساً) تعبس فيه الوجوه على أنه من الإسناد المجازي كما في نهاره صائم فقد روي عن ابن عباس أن الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران أو يشبه الأسد العبوس على أنه من الاستعارة المكنية التخييلية لكن لا يخفى أن العبوس ليس من لوازم الأسد وإنما اشتهر وصفه به ففي التخييلية ضعف ما وقيل إنه من التشبيه البليغ (قَمْطَرِيراً) شديد العبوس ويقال شديدا صعبا كأنه التف شره ببعضه وقيل طويلا وهو رواية عن ابن عباس وجاء قماطر وأنشدوا لأسد بن ناغصة :
واصطليت الحروب في كل يوم |
|
باسل الشر قمطرير الصباح |
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا |
|
عليكم إذا ما كان يوم قماطر |