وقول آخر :
وإلى الأول ذهب الزجاج فقال : القمطرير الذي يعبس حتى يجتمع ما بين عينيه ، ويقال : اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وزمت بأنفها وجمعت قطريها أي جانبيها كأنها تفعل ذلك إذا لحقت كبرا. وقيل : لتضع حملها فاشتقاقه عنده على ما قيل من قطر بالاشتقاق الكبير والميم زائدة وهذا لا يلزم الزجاج فيجوز أن يكون مشتقا كذلك من القمط ، ويقال : قمطه إذا شده وجمع أطرافه وفي البحر يقال : اقمطر فهو مقمطر وقمطرير وقماطر إذا صعب واشتد واختلف في هذا الوزن وأكثر النحاة لا يثبتون افمعل في أوزان الأفعال وهذه الجملة جوز أن تكون علة لإحسانهم وفعلهم المذكور كأنه قيل نفعل بكم ما نفعل لأنّا نخاف يوما صفته كيت وكيت ، فنحن نرجو بذلك أن يقينا ربنا جل وعلا شره ، وأن تكون علة لعدم إرادة الجزاء والشكور أي إنّا لا تريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله تعالى على طلب المكافأة بالصدفة وإلى الوجهين أشار في الكشاف وقال في الكشف : الثاني أوجه ليبقى قوله لوجه الله خالصا غير مشوب بحظ النفس من جلب نفع أو دفع ضر ولو جعل علة للإطعام المعلل على المعنى إنما خصصنا الإحسان لوجهه تعالى لأنّا نخاف يوم جزائه ومن خافه لازم الإخلاص لكان وجها (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) بسبب خوفهم وتحفظهم عنه. وقرأ أبو جعفر «فوقّاهم» بشد القاف وهو أوفق بقوله تعالى (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) أي أعطاهم بدل عبوس الفجار وحزنهم نضرة في الوجوه وسرورا في القلوب (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) بصبرهم على مشاق الطاعات ومهاجرة هوى النفس في اجتناب المحرمات وإيثار الأموال مأكلا وملبسا (جَنَّةً) بستانا عظيما يأكلون منه ما شاءوا (وَحَرِيراً) يلبسونه ويتزينون به ومن رواية عطاء عن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا فعادهما جدهما محمد صلىاللهعليهوسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وعادهما من عادهما من الصحابة فقالوا لعلي كرم الله تعالى وجهه : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برءا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام شكرا فألبس الله تعالى الغلامين ثوب العافية. وليس عند آل محمد قليل ولا كثير فانطلق علي كرم الله تعالى وجهه إلى شمعون اليهودي الخيبري فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير فجاء بها فقامت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى صاع فطحنته وخبزت منه خمسة أقراص على عددهم وصلى علي كرم الله تعالى وجهه مع النبي صلىاللهعليهوسلم المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فوقف بالباب سائل فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلىاللهعليهوسلم ، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله تعالى من موائد الجنة ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا شيئا إلّا الماء وأصبحوا صياما ، ثم قامت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى صاع آخر فطحنته وخبزته وصلى علي كرم الله تعالى وجهه مع النبيصلىاللهعليهوسلم المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فوقف يتيم بالباب ، وقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمدصلىاللهعليهوسلم ، يتيم من أولاد المهاجرين أطعموني أطعمكم الله تعالى من موائد الجنة ، فآثروه ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلّا الماء القراح وأصبحوا صياما فلما كان يوم الثالث قامت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى الصاع الثالث وطحنته وخبزته وصلى علي كرم الله تعالى وجهه مع النبي صلىاللهعليهوسلم المغرب فأتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فوقف أسير بالباب فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلىاللهعليهوسلم ، أنا أسير محمد عليه الصلاة والسلام أطعموني أطعمكم الله ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء القراح. فلما أصبحوا أخذ علي كرم الله تعالى وجهه الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورآهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال : «يا أبا الحسن ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم» وقام فانطلق معهم إلى فاطمة رضي الله