الجمع ، واستبعد بأنه لم يجىء في نظائره ذلك فقد جاء خضر جمع خضراء وحمر جمع حمراء ولم يجىء أخضار جمع خضر ولا أحمار جمع حمر وجمع الجمع لا ينقاس ووجود نظيره في المفردات لا يكفي كذا قيل. وقال الكسائي جمع لفيف بمعنى ملفوف وفعيل يجمع على أفعال كشريف وأشراف وإنما اختلف النحاة في كونه جمعا لفاعل وفي الكشاف لو قيل هو جمع ملتفة بتقدير حذف الزوائد لكان قولا وجيها انتهى. وإنما يقدر حذف الزوائد وهو الذي يسميه النحاة في مثل ذلك ترخيما لأن قياس جمع ملتفة ملتفات لا ألفاف واعترضه في الكشف فقال فيه إنه لا نظير له لأن تصغير الترخيم ثابت (١) أما جمعه فلا لكن قيل إن هذا غير مسلم فإنه وقع في كلامهم ولم يتعرضوا له لقلته والحق أنه وجه متكلف وجمهور اللغويين على أنه جمع لف بالكسر وهو صفة مشبهة بمعنى ملفوف وفعل يجمع على أفعال باطراد كجذع وأجذاع وعن صاحب الاقليد أنه قال : أنشدني الحسن بن علي الطوسي :
جنة لف وعيش مغدق |
|
وندامى كلهم بيض زهر |
وجوز في القاموس أن يكون جمع لف بالفتح هذا وفيما ذكر من أفعاله تعالى شأنه دلالة على صحة البعث وحقيته من أوجه ثلاثة على ما قيل الأول باعتبار قدرته عزوجل فإن من قدر على إنشاء تلك الأمور البديعة من غير مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه كان على الإعادة أقدر وأقوى. الثاني باعتبار علمه وحكمته فإن من أبدع هذه المصنوعات على نمط رائع مستتبع لغايات جليلة ومنافع جميلة عائدة إلى الخلق يستحيل حكمة أن لا يجعل لها عاقبة الثالث باعتبار نفس الفعل فإن اليقظة بعد النوم أنموذج للبعث بعد الموت يشاهده كل واحد وكذا إخراج الحب والنبات من الأرض يعاين كل حين فكأنه قيل قد فعلنا أو ألم نفعل هذه الأفعال الآفاقية الدالة بفنون الدلالة على حقية البعث الموجبة للإيمان به فما لكم تخوضون فيه إنكارا وتسألون عنه استهزاء. وقوله تعالى (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) شروع في بيان سر تأخير ما يتساءلون عنه ويستعجلون به قائلين (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [النمل : ٧١ ، سبأ : ٣٩ ، يس : ٤٨ ، الملك : ٢٥] ونوع تفصيل لكيفية وقوعه وما سيلقونه عند ذلك من فنون العذاب حسبما جرى به الوعيد إجمالا. وقال بعض الأجلة إنه لما أثبت سبحانه صحة البعث كان مظنة السؤال عن وقته فقيل : (إِنَ) إلخ وأكد لأنه مما ارتابوا فيه وليس بذاك أي إن يوم فصل الله تعالى شأنه بين الخلائق كان في علمه عزوجل ميقاتا وميعادا لبعث الأولين والآخرين وما يترتب عليه من الجزاء ثوابا وعقابا لا يكاد يتخطاه بالتقدم والتأخر وقيل حدا توقت به الدنيا وتنتهي إليه أو حدا للخلائق ينتهون إليه لتمييز أحوالهم والأول أوفق بالمقام على أن الدنيا تنتهي على ما قيل عند النفخة الأولى وأيّا ما كان فالمضي في كان باعتبار العلم وجوز أن يكون بمعنى يكون وعبر عن المستقبل بالماضي لتحقق وقوعه (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أي النفخة الثانية و (يَوْمَ) بدل من (يَوْمَ الْفَصْلِ) أو عطف بيان مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله ولا ضير في تأخر الفصل عن النفخ فإنه زمان ممتد يقع في مبدئه النفخ وفي بقيته الفصل ومبادئه وآثاره وتقدم الكلام في الصور. وقرأ أبو عياض «في الصّور» بفتح الواو جمع صورة وقد مر الكلام في ذلك أيضا.
والفاء في قوله تعالى (فَتَأْتُونَ) فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليها وإيذانا بغاية
__________________
(١) قوله أما جمعه فلا واللواقح والطوائح ليسا منه على ما قيل اه منه.