سرعة الإتيان كما في قوله تعالى فقلنا (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : ٦٣] أي فتحيون فتبعثون من قبوركم فتأتون إلى الموقف عقيب ذلك من غير لبث أصلا (أَفْواجاً) أي أمما كل أمة بإمامها كما قال سبحانه (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء : ٧١] أو زمرا وجماعات مختلفة الأحوال متباينة الأوضاع حسب اختلاف الأعمال وتباينها. واستدل لهذا بما خرج ابن مردويه عن البراء بن عازب أن معاذ بن جبل قال : يا رسول الله ما قول الله تعالى يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا؟ فقال : «يا معاذ سألت عن عظيم من الأمور» ثم أرسل عينيه ثم قال عليه الصلاة والسلام : «عشرة أصناف قد ميّزهم عزوجل من جماعة المسلمين فبدل صورهم ، فبعضهم على صورة القردة ، وبعضهم على صورة الخنازير ، وبعضهم منكسين أرجلهم فوق وجوههم أسفل يسحبون عليها ، وبعضهم عمي يترددون ، وبعضهم صمّ بكم لا يعقلون ، وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذرهم أهل الجمع ، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ، وبعضهم مصلبون على جذوع من نار ، وبعضهم أشد نتنا من الجيف ، وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم ، فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس ، وأما الذين على صورة الخنازير فأكلة السحت ، وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا ، وأما العمي فالذين يجورون في الحكم ، وأما الصم البكم فالمعجبون بأعمالهم ، وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف أقوالهم أعمالهم ، وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران ، وأما المصلبون على جذوع من نار فالساعون بالناس إلى السلطان ، وأما الذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حق الله تعالى من أموالهم ، وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والخيلاء والفخر». وهذا كما قال ابن حجر حديث موضوع وآثار الوضع لائحة عليه ، وعليه قيل لا بد من التغليب في قوله تعالى «تأتون». إذ لا يمكن الإتيان للمصلوب والمسحوب على الوجه ولا لمن قطعت يداه ورجلاه ، وتعقب بأنه ليس بشيء فإن أمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا ، والقادر على البعث قادر على جعلهم ماشين بلا أيد وأرجل وأن تمشي بهم عمد النار التي صلبوا عليها مع أنه لا يلزم أن يأتوا بأنفسهم لجواز أن تأتي بهم الزبانية (وَفُتِحَتِ السَّماءُ) عطف على (يُنْفَخُ) على ما قيل وصيغة الماضي للدلالة على التحقق. وعن الزمخشري أنه معطوف على (فَتَأْتُونَ) وليس بشرط أن يتوافقا في الزمان كما يظن من ليس بنحوي وأقره في الكشف وقال : الشرط في حسنه أن يكون مقربا من الحال أو يكون المضارع حكاية حال ماضية وما نحن فيه مضارع جيء به بلفظ الماضي تفخيما وتحقيقا لوقوعه فهو أقرب قريب منه. ولو جعل حالا على معنى فتأتون وقد فتحت السماء لكان وجها. وقرأ الجمهور أي من عدا الكوفيين «فتحت» بالتشديد قيل وهو الأنسب بقوله تعالى (فَكانَتْ أَبْواباً) وفسر الفتح بالشق لقوله تعالى (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] وقوله سبحانه (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] إلى غير ذلك والقرآن يفسر بعضه بعضا. وجاء الفتح بهذا المعنى كفتح الجسور وما ضاهاها ولعل نكتة التعبير به عنه الإشارة إلى كمال قدرته تعالى حتى كان شق هذا الجرم العظيم كفتح الباب سهولة وسرعة وكان معنى صار ولدلالتها على الانتقال من حال إلى أخرى وكون السماء بالشق لا تصير أبوابا حقيقة قالوا إن الكلام على التشبيه البليغ أي فصارت شقوقها لسعتها كالأبواب أو فصارت من كثرة الشقوق كأن الكل أبواب أو بتقدير مضاف أي فصارت ذات أبواب ، وقيل الفتح على ظاهره الكلام بتقدير مضاف إلى السماء أي فتحت أبواب السماء فصارت كأن كلها أبواب ويجامع ذلك شقها فتشق وتفتح أبوابها ، وتعقب بأن شقها لنزول الملائكة كما قال تعالى (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [الفرقان : ٢٥] فإذا شققت لا يحتاج لفتح الأبواب وأيضا فتح أبوابها ليس