بشدة وقد أردف بقوله تعالى (غَرْقاً) وهو مصدر مؤكد بحذف الزوائد أي إغراقا في النزع من أقاصي الأجساد. وقيل : هو نوع ، والنزع جنس أي في هذا المحل وذلك أنسب بالكفار. وقال ابن مسعود : تنزع الملائكة روح الكفار من جسده من تحت كل شعرة ومن تحت الأظافر وأصول القدمين ثم تغرقها في جسده ثم تنزعها حتى إذا كادت تخرج يردها في جسده وهكذا مرارا فهذا عملها في الكفار. والنشط الإخراج برفق وسهولة وهو أنسب بالمؤمنين وكذا السبح ظاهر في التحرك برفق ولطافة. قال بعض السلف : إن الملائكة يسلون أرواح المؤمنين سلا رقيقا ثم يتركونها حتى تستريح رويدا ثم يستخرجونها برفق ولطف كالذي يسبح في الماء فإنه يتحرك برفق لئلا يغرق فهم يرفقون في ذلك الاستخراج لئلا يصل إلى المؤمن ألم وشدة وفي التاج إن النشط حل العقدة برفق ويقال كما في البحر : أنشطت العقال ونشطته إذا مددت أنشوطته فانحلت ، والأنشوطة عقدة يسهل انحلالها إذا جذبت كعقدة التكة فإذا جعلت (النَّاشِطاتِ) من النشط بهذا المعنى كان أوفق للإشارة إلى الرفق والعطف مع اتحاد الكل لتنزيل التغاير العنواني منزلة التغاير الذاتي كما مر غير مرة للإشعار بأن كل واحد من الأوصاف المعدودة من معظمات الأمور حقيق بأن يكون على حياله مناطا لاستحقاق موصوفة للإجلال والإعظام بالإقسام به من غير انضمام الأوصاف الأخر إليه. ولو جعلت (النَّازِعاتِ) ملائكة العذاب و (النَّاشِطاتِ) ملائكة الرحمة كان العطف للتغاير الذاتي على ما هو الأصل والفاء في الأخيرين للدلالة على ترتبهما على ما قبلهما بغير مهلة. وانتصاب (نَشْطاً) و (سَبْحاً) و (سَبْقاً) على المصدرية كانتصاب (غَرْقاً) وأما انتصاب (أَمْراً) فعلى المفعولية للمدبرات لا على نزع الخافض أي بأمر منه تعالى كما قيل. وزعم أنه الأولى وتنكيره للتهويل والتفخيم. وجوز أن يكون (غَرْقاً) مصدرا مؤولا بالصفة المشبهة ونصبه على المفعولية أيضا للنازعات أو صفة للمفعول به لها أي نفوسا غرقة في الأجساد. وحمل بعضهم غرقها فيها بشدة تعلقها بها وغلبة صفاتها عليها وكان ذلك مبني على تجرد الأرواح كما ذهب إليه الفلاسفة وبعض أجلة المسلمين. هذا ولم نقف على نص في أن الملائكة حال قبض الأرواح وإخراجها هل يدخلون في الأجساد أم لا. وظاهر تفسير (النَّاشِطاتِ) أنهم حالة النزع خارج الجسد كالواقف و (السَّابِحاتِ) دخولهم فيه لإخراجها على ما قيل وأنت تعلم أن السبح ليس على حقيقته ولا مانع من أن يراد به مجرد الاتصال ونحوه مما لا توقف له على الدخول. وجوز أن يكون المراد بالسابحات وما بعدها طوائف من الملائكة يسبحون في مضيهم فيسبقون فيه إلى ما أمروا به من الأمور الدنيوية والأخروية فيدبرون أمره من كيفيته وما لا بد منه فيه ويعم ذلك ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، والعطف عليه لتغاير الموصوفات كالصفات ، وأيّا ما كان فجواب القسم محذوف يدل عليه ما بعد من أحوال القيامة ويلوح إليه الأقسام المذكورة والتقدير و (النَّازِعاتِ) إلخ لتبعثن وإليه ذهب الفراء وجماعة. وقيل : إقسام بالنجوم السيارة التي تنزع أي تسير من نزع الفرس إذا جرى من المشرق إلى المغرب غرقا في النزع وجدّا في السير بأن تقطع الفلك على ما يبدو للناس حتى تنحط في أقصى الغرب وتنشط من برج إلى برج أي تخرج من نشط الثور إذا خرج من مكان إلى مكان آخر ومنه قول هميان بن قحافة :
أرى همومي تنشط المناشطا |
|
الشام بي طورا وطورا واسطا |
وتسبح في الفلك فيسبق بعضها في السير لكونه أسرع حركة فتدبر أمرا نيط بها كاختلاف الفصول وتقدير الأزمنة وظهور مواقيت العبادات والمعاملات المؤجلة ولما كانت حركاتها من المشرق إلى المغرب