سريعة قسرية وتابعة لحركة الفلك الأعظم ضرورة وحركاتها من برج إلى برج بإرادتها من غير قسر لها وهي غير سريعة أطلق على الأولى النزع لأنه جذب بشدة ، وعلى الثانية النشط لأنه برفق وروي حمل (النَّازِعاتِ) على النجوم عن الحسن وقتادة والأخفش وابن كيسان وأبي عبيدة وحمل الناشطات عليها عن ابن عباس والثلاثة الأول وحمل (السَّابِحاتِ) عليها عن الأولين وحملها أبو روق على الليل والنهار والشمس والقمر منها والمدبرات عليها من معاذ وإضافة التدبير إليها مجاز وقيل : إقسام بالنفوس الفاضلة حالة المفارقة لا بد أنها بالموت فإنها تنزع عن الأبدان غرقا أي نزعا شديدا من أغرق النازع في القوس إذا بلغ غاية المدى حتى ينتهي إلى النصل لعسر مفارقتها إياها حيث ألفنه وكان مطية لها لاكتساب الخير ومظنة لازدياده فتنشط شوقا إلى عالم الملكوت وتسبح به فتسبق به إلى حظائر القدس فتصير لشرفها وقوتها من المدبرات أي ملحقة بالملائكة أو تصلح هي لأن تكون مدبرة كما قال الإمام إنها بعد المفارقة قد تظهر لها آثار وأحوال في هذا العالم فقد يرى المرء شيخه بعد موته فيرشده لما يهمه. وقد نقل على جالينوس أنه مرض مرضا عجز عن علاجه الحكماء فوصف له في منامه علاجه فأفاق وفعله فأفاق وقد ذكره الغزالي ولذا قيل : وليس بحديث كما توهم «إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أصحاب القبور» أي أصحاب النفوس الفاضلة المتوفين ولا شك في أنه يحصل لزائرهم مدد روحاني ببركتهم ، وكثيرا ما تنحل عقد الأمور بأنامل التوسل إلى الله تعالى بحرمتهم. وحمله بعضهم على الأحياء منهم الممتثلين أمر موتوا وقبل أن تموتوا. وتفسير (النَّازِعاتِ) بالنفوس مروي عن السدّي إلّا أنه قال : هي جماعة النفوس تنزع بالموت إلى ربها و (النَّاشِطاتِ) بها عن ابن عباس أيضا إلّا أنه قال : هي النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج والسابقات بها عن ابن مسعود إلّا أنه قال : هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة عليهمالسلام الذين يقبضونها وقد عاينت السرور شوقا إلى لقاء الله تعالى وقيل : إقسام بالنفوس حال سلوكها وتطهير ظاهرها وباطنها بالاجتهاد في العبادة والترقي في المعارف الإلهية فإنها تنزع عن الشهوات وتنشط إلى عالم القدس فتسبح في مراتب الارتقاء فتسبق إلى الكمالات حتى تصير من المكملات للنفوس الناقصة. وقيل : إقسام بأنفس الغزاة أو أيديهم تنزع القسي بإغراق السهام وتنشط بالسهم للرمي وتسبح في البر والبحر فتسبق إلى حرب العدو فتدبر أمرها. وإسناد السبح وما بعده إلى الأيدي عليه مجاز للملابسة وحمل (النَّازِعاتِ) على الغزاة مروي عن عطاء إلّا أنه قال : هي النازعات بالقسي وغيرها ، وقيل : بصفات خيلهم فإنها تنزع في أعنتها غرقا أي تمد أعنتها مدّا قويا حتى تلصقها بالأعناق من غير ارتخائها فتصير كأنها انغمست فيها ، وتخرج من دار الإسلام إلى دار الكفر وتسبح في جريها فتسبق إلى العدو فتدبر أمر الظفر وإسناد التدبير إليها إسناد إلى السبب. وحمل (السَّابِحاتِ) على الخيل مروي عن عطاء أيضا وجماعة ، ولا يخفى أن أكثر هذه الأقوال لا يليق بشأن جزالة التنزيل وليس له قوة مناسبة للمقام ومنها ما فيه قول بما عليه أهل الهيئة المتقدمون من الحركة الإرادية للكوكب وهي حركته الخاصة ونحوها مما ليس في كلام السلف ولم يتم عليه برهان. ولذا قال بخلافه المحدثون من الفلاسفة وفي حمل «المدبرات» على النجوم إيهام صحة ما يزعمه أهل الأحكام وجهلة المنجمين وهو باطل عقلا ونقلا كما أوضحنا ذلك فيما تقدم وكذا في حملها على النفوس الفاضلة المفارقة إيهام صحة ما يزعمه كثير من سخفة العقول من أن الأولياء يتصرفون بعد وفاتهم بنحو شفاء المريض وإنقاذ الغريق والنصر على الأعداء وغير ذلك مما يكون في عالم الكون والفساد على معنى أن الله تعالى فوض إليهم ذلك ، ومنهم من خص ذلك بخمسة من الأولياء والكل جهل وإن كان الثاني أشد جهلا. نعم لا ينبغي التوقف في أن الله تعالى قد يكرم من شاء من أوليائه بعد الموت كما يكرمه قبله بما شاء فيبرئ