سبحانه المريض وينقذ الغريق وينصر على العدو وينزل الغيث وكيت وكيت كرامة له وربما يظهر عزوجل من يشبهه صورة فتفعل ما سئل الله تعالى بحرمته مما لا إثم فيه استجابة للسائل ، وربما يقع السؤال على الوجه المحظور شرعا فيظهر سبحانه نحو ذلك مكرا بالسائل واستدراجا له. ونقل الإمام في هذا المقام عن الغزالي أنه قال : إن الأرواح الشريفة إذا فارقت أبدانها ثم اتفق إنسان مشابه للإنسان الأول في الروح والبدن فإنه لا يبعد أن يحصل للنفس المفارقة تعلق بهذا البدن حتى تصير كالمعاونة للنفس المتعلقة بذلك البدن على أعمال الخير فتسمى تلك المعاونة إلهاما. ونظيره في جانب النفوس الشريرة وسوسة انتهى. ولم أر ما يشهد على صحته في الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة وقد ذكر الإمام نفسه في الباحث المشرقية استحالة تعلق أكثر من نفس ببدن واحد وكذا استحالة تعلق نفس واحدة بأكثر من بدن ولم يتعقب ما نقله هنا فكأنه فهم أن التعلق فيه غير التعلق المستحيل فلا تغفل. وقال في وجه حمل المذكورات على الملائكة أن الملائكة عليهمالسلام لها صفات سلبية وصفات إضافية أما الأولى فهي أنها مبرأة عن الشهوة والغضب والأخلاق الذميمة والموت والهرم والسقم والتركيب والأعضاء والأخلاط والأركان بل هي جواهر روحانية مبرأة عن هذه الأحوال «فالنازعات غرقا إشارة إلى كونها منزوعة عن هذه الأحوال نزعا كليا من جميع الوجوه على أن الصيغة للنسبة (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) إشارة إلى أن خروجها عن ذلك ليس كخروج البشر على سبيل الكلفة والمشقة بل بمقتضى الماهية ، فالكلمتان إشارتان إلى تعريف أحوالهم السلبية وأما صفاتهم الإضافية فهي قسمان : الأول شرح قوتهم العاقلة وبيان حالهم في معرفة ملك الله تعالى وملكوته سبحانه والاطلاع على نور جلاله جل جلاله فوصفهم سبحانه في هذا المقام بوصفين أحدهما (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) فهم يسبحون من أول فطرتهم في بحار جلاله تعالى ثم لا منتهى لسبحهم لأنه لا منتهى لعظمة الله تعالى وعلو صمديته ونور جلاله وكبريائه فهم أبدا في تلك السباحة. وثانيهما (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) وهو إشارة إلى تفاوت مراتبهم في درجات المعرفة وفي مراتب التجلّي والثاني شرح قوتهم العاملة وبيان حالهم فيها فوصفهم سبحانه في هذا المقام بقوله تعالى (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) ولما كان التدبير لا يتم إلّا بعد العلم قدم شرح القوة العاقلة على شرح القوة العاملة انتهى. وهو على ما في بعضه من المنع ليس بشديد المناسبة للمقام. ونقل غير واحد أقوالا غير ما ذكر في تفسير المذكورات فعن مجاهد (النَّازِعاتِ) المنايا تنزع النفوس. وحكى يحيى بن سلام أنها الوحش تنزع إلى الكلأ. وعن الأول تفسير (النَّاشِطاتِ) بالمنايا أيضا وعن عطاء تفسيرها بالبقر الوحشية وما يجري مجراها من الحيوان الذي ينشط من قطر إلى قطر. وعنه أيضا تفسير (السَّابِحاتِ) بالسفن وعن مجاهد تفسيرها بالمنايا تسبح في نفوس الحيوان وعن بعضهم تفسيرها بالسحاب وعن آخر تفسيرها بدواب البحر. وعن بعض تفسير «السابقات» بالمنايا على معنى أنها تسبق الآمال وعن غير واحد تفسير «المدبرات» بجبريل يدبر الرياح والجنود والوحي وميكال يدبر القطر والنبات وعزرائيل يدبر قبض الأرواح وإسرافيل يدبر الأمر النزل عليهم لأنه ينزل به ويدبر النفخ في الصور والأكثرون تفسيرها بالملائكة مطلقا بل قال ابن عطية لا أحفظ خلافا في أنها الملائكة وليس في تفسير شيء مما ذكر خبر صحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما أعلم وما ذكرته أولا هو المرجح عندي نظرا للمقام والله تعالى أعلم.
وقوله سبحانه (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) منصوب بالجواب المضمر والمراد ب (الرَّاجِفَةُ) الواقعة أو النفخة التي ترجف الأجرام عندها على أن الإسناد إليها مجازي لأنها سبب الرجف أو التجوز في الطرف بجعل سبب