وكلا الوجهين مقتض لتجريد الجملة عن العاطف. وقوله تعالى (وَالْجِبالَ) منصوب بمضمر يفسره قوله سبحانه (أَرْساها) أي أثبتها وفيه تنبيه على أن الرسو المنسوب إليها في مواضع كثيرة من التنزيل ليس من مقتضيات ذاتها وللفلاسفة المحدثين كلام في أمر الأرض وكيفية بدئها لا مستند لهم فيه إلّا آثار أرضية يزعمون دلالتها على ذلك هي في أسفل الأرض عن ساحة القبول. وقرأ عيسى برفع «الأرض» والحسن وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وابن أبي عبلة وأبو السمال برفع «الأرض» «والجبال» وهو على ما قيل على الابتداء ، وتعقبه الزجاج بأن ذلك مرجوح لأن العطف على فعلية وأورد عليه أن قوله تعالى (بَناها) بيان لكيفية خلق السماء وقوله سبحانه (رَفَعَ سَمْكَها) بيان للبناء وليس لدحو الأرض وما بعده دخل في شيء من ذلك فكيف يعطف عليه ما هو معطوف على المجموع عطف القصة على القصة والمعتبر فيه تناسب القصتين وهو حاصل هنا فلا ضير في الاختلاف بل فيه نوع تنبيه على ذلك. وقيل : إن جملة قوله تعالى (وَالْأَرْضَ) إلخ على القراءتين ليست معطوفة على قوله سبحانه (رَفَعَ سَمْكَها) لأنها لا تصلح بيانا لبناء السماء فلا بد من تقدير معطوف عليه وحينئذ يقدر جملة فعلية على قراءة الجمهور أي فعل ما فعل في السماء ، وجملة اسمية على قراءة الآخرين أي السماء وما يتعلق بها مخلوق له تعالى. وجوز عطف «الأرض» بالرفع على «السماء» من حيث المعنى كأنه قيل السماء أشد خلقا والأرض بعد ذلك أي والأرض بعد ما ذكر من السماء أشد خلقا فيكون وزان قوله تعالى (دَحاها) إلخ وزان قوله تعالى (بَناها) إلخ وحينئذ فلا يكون بعد ذلك مشعرا بتأخر دحو الأرض عن بناء السماء. وقوله تعالى (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) قيل مفعول له أي فعل ذلك تمتيعا لكم ولأنعامكم لأن فائدة ما ذكر من الدحو وإخراج الماء والمرعى واصلة إليهم ولأنعامهم فإن المرعى كما سمعت مجاز عما يأكله الإنسان وغيره ، وقيل : مصدر مؤكد لفعله المضمر أي متعكم بذلك متاعا أو مصدر من غير لفظه فإن قوله تعالى (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) في معنى متع بذلك وأورد على الأول أن الخطاب لمنكري البعث والمقصود هو تمتيع المؤمنين فلا يلائم جعل تمتيع الآخرين كالغرض فالأولى ما بعده. وأجيب بأن خطاب المشافهة وإن كان خاصا بالحاضرين إلّا أن حكمه عام كما تقرر في الأصول فالمآل إلى تمتيع الجنس وأيضا النصب على المصدرية بفعله المقدر لا يدفع المحذور لكونه استئنافا لبيان المقصود ولا يخفى أن كون المقصود هو تمتيع المؤمنين محل بحث. وقوله سبحانه (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) إلخ شروع في بيان معادهم إثر بيان أحوال معاشهم بقوله عزوجل (مَتاعاً) إلخ والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها على ما قيل كما ينبئ عنه لفظ المتاع ، والطامة أعظم الدواهي لأنه من طم بمعنى علا كما ورد في المثل : جرى الوادي فطمّ على القرى ، وجاء السيل فطمّ الركيّ. وعلوها على الدواهي غلبتها عليها فيرجع لما ذكر قيل ، فوصفها «بالكبرى» للتأكيد ولو فسر كونها طامة بكونها غالبة للخلائق لا يقدرون على دفعها لكان الوصف مخصصا ، وقيل كونها طامة باعتبار أنها تغلب وتفوق ما عرفوه من دواهي الدنيا وكونها كبرى باعتبار أنها أعظم من جميع الدواهي مطلقا وقيل غير ذلك. وأنت تعلم أن (الطَّامَّةُ الْكُبْرى) صارت كالعلم للقيامة وروي كونها اسما من أسمائها هنا عن ابن عباس وعنه أيضا وعن الحسن أنها النفخة الثانية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن القاسم بن الوليد الهمداني أنها الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار. وأخرجا عن عمرو بن قيس الكندي أنها ساعة يساق أهل النار إلى النار وفي معناه قول مجاهد هي إذا دفعوا إلى مالك خازن جهنم (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) بدل كل أو بعض من إذا جاءت على ما قيل ، وقيل : بدل من (الطَّامَّةُ الْكُبْرى) فيكون مرفوع المحل وفتح لإضافته إلى الفعل على رأي الكوفيين