وتكون الطامة حقيقة التذكر البروز لأن حسن العمل يغلب كل لذة وسواه كل مشقة وكذا بروز الجحيم مع الابتلاء به يغلب كل مشقة ومع النجاة عنه كل لذة إلا يخفى تعسفه. وقيل : ظرف ل (جاءَتِ) وعليه الطبرسي واستظهر أنه منصوب بأعني تفسيرا للطامة الكبرى و (ما) موصولة و (سَعى) بمعنى عمل والعائد مقدر أي له والمراد يوم يتذكر كل أحد ما عمله من خير أو شر بأن يشاهده مدوّنا في صحيفته وقد كان نسيه من فرط الغفلة أو طول الأمد أو شدة ما لقي أو كثرته التي تعجز الحافظ عن الضبط لقوله تعالى (أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ) [المجادلة : ٦] ويمكن أن يكون تذكره بوجه آخر ، وجوّز أن تكون (ما) مصدرية أي يتذكر فيه سعيه.
(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) عطف على (جاءَتِ) وقيل على (يَتَذَكَّرُ) وقيل حال من الإنسان بتقدير قد أو بدونه ، والموصول بعد مغن عن العائد ، وكلا القولين على ما في الإرشاد على تقدير الجواب يتذكر الإنسان ونحوه وسيأتي إن شاء الله تعالى فلا تغفل. ومعنى (بُرِّزَتِ) أظهرت إظهارا بيّنا لا يخفى على أحد (لِمَنْ يَرى) كائنا من كان يروي أنه يكشف عنها فتتلظى فيراها كل ذي بصر وخص بعض من بالكافر وليس بشيء. وقرأت عائشة وزيد بن علي وعكرمة ومالك بن دينار «وبرزت» مبنيا للفاعل مخففا لمن ترى بالتاء الفوقية على أن فيه ضمير جهنم كما في قوله تعالى (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [الفرقان : ١٢] وإسناد الرؤية لها مجازا وهو حقيقة على أن يخلق الله تعالى ذلك فيها ، ويجوز أن تكون خطابا لسيد المخاطبين صلىاللهعليهوسلم أو لكل راء كقوله تعالى (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ) [السجدة : ١٢] أي لمن تراه من الكفار. وقرأ أبو نهيك وأبو السمال وهارون عن أبي عمرو «وبرزت» مبنيا للمفعول مخففا وقوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ طَغى) إلخ جواب «إذا» على أنها شرطية لا ظرفية كما جوز على طريقة قوله تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) [البقرة : ٣٨ ، طه : ١٢٣] الآية. وقولك إذا جاءك بنو تميم فأما العاصي فأهنه وأما الطائع فأكرمه. واختاره أبو حيان وقيل : جوابها محذوف كأنه قيل فإذا جاءت وقع ما لا يدخل تحت الوصف. وقوله سبحانه (فَأَمَّا) إلخ تفصيل لذلك المحذوف وفي جعله جوابا غموض وهو وجه وجيه بيد أنه لا غموض في ذاك بعد تحقق استقامة أن يقال فإذا جاءت فإن الطاغي الجحيم مأواه وغيره في الجنة مثواه وزيادة أما لم تفد إلّا زيادة المبالغة وتحقيق الترتب والثبوت على كل تقدير ، وقيل : هو محذوف لدلالة ما قبل والتقدير ظهرت الأعمال ونشرت الصحف أو يتذكر الإنسان ما سعى أو لدلالة ما بعد والتقدير انقسم الراءون قسمين وليس بذاك أي فأما من عتا وتمرد عن الطاعة وجاوز الحد في العصيان حتى كفر (وَآثَرَ) أي اختار (الْحَياةَ الدُّنْيا) الفانية التي هي على جناح الفوات فانهمك فيما متع به فيها ولم يستعد للحياة الآخرة الأبدية بالإيمان والطاعة (فَإِنَّ الْجَحِيمَ) التي ذكر شأنها (هِيَ الْمَأْوى) أي مأواه على ما رآه الكوفيون من أن أل في مثله عوض عن المضاف إليه الضمير وبها يحصل الربط أو المأوى له على رأي البصريين من عد كونها عوضا ورابطا ، وهذا الحذف هنا للعلم بأن الطاغي هو صاحب المأوى وحسنه وقوع المأوى فاصلة وهو الذي اختاره الزمخشري. وهي إما ضمير فصل لا محل له من الإعراب أو ضمير جهنم مبتدأ والكلام دال على الحصر أي كأنه قيل فإن الجحيم هي مأواه أو المأوى له لا مأوى له سواها. (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي مقامه بين يدي مالك أمره يوم الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى على أن الإضافة مثلها في رقود حلب أو وأما من خاف ربه سبحانه على أن لفظ (مَقامَ) مقحم والكلام معه كناية عن ذلك وإثبات للخوف من الرب عزوجل بطريق برهاني بليغ نظير ما قيل في قوله