وقال قتادة : غره عدوه المسلط عليه. وروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ الآية فقال : «الجهل» وقاله عمر رضي الله تعالى عنه وقرأ (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب : ٧٢] والفرق بين هذا وبين ما ذكروا لا يخفى على ذي علم. واختلف في (الْإِنْسانُ) المنادى فقيل الكافر ، بل عن عكرمة أنه أبيّ بن خلف وقيل الأعم الشامل للعصاة وهو الوجه لعموم اللفظ ، ولوقوعه بين المجمل ومفصله أعني (عَلِمَتْ نَفْسٌ) و (إِنَّ الْأَبْرارَ) و (إِنَّ الْفُجَّارَ) وأما قوله تعالى (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) [الانفطار : ٩] ففي الكشف إما أن يكون ترشيحا لقوة اغترارهم بإيهام أنهم أسوأ حالا من المكذبين تغليظا ، وإما لصحة خطاب الكل بما وجد فيما بينهم. وقرأ ابن جبير والأعمش : «ما أغرك» بهمزة فاحتمل أن يكون تعجبا وأن تكون (ما) استفهامية كما في قراءة الجمهور و «أغرك» بمعنى أدخلك في الغرة. وقوله سبحانه (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) صفة ثانية مقررة للربوبية مبينة للكرم مومية إلى صحة ما كذب من البعث والجزاء موطئة لما بعد حيث نبهت على أن من قدر على ذلك بدأ أقدر عليه إعادة ، والتسوية جعل الأعضاء سوية سليمة معدة لمنافعها وهي في الأصل جعل الأشياء على سواء فتكون على وفق الحكمة ومقتضاها بإعطائها ما تتم به وعدلها بعضها ببعض بحيث اعتدلت من عدل فلانا بفلان إذا ساوى بينهما أو صرفها عن خلقة غير ملائمة لها من عدل بمعنى صرف. وذهب إلى الأول الفارسي وإلى الثاني الفراء. وقرأ غير واحد من السبعة «عدّلك» بالتشديد أي صيرك معتدلا متناسب الخلق من غير تفاوت فيه ونقل القفال عن بعضهم أن عدل وعدّل بمعنى واحد (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) أي ركبك ووضعك في أي صورة اقتضتها مشيئته تعالى وحكمته جل وعلا من الصور المختلفة في الصور المختلفة في الطول والقصر ومراتب الحسن ونحوها ، فالجار والمجرور متعلق ب (رَكَّبَكَ) و (أَيِ) للصفة مثلها في قوله :
أرأيت أي سوالف وخدود |
|
برزت لنا بين اللّوى وزرود |
ولما أريد التعميم لم يذكر موصوفها وجملة (شاءَ) صفة لها والعائد محذوف و (ما) مزيدة وإنما لم تعطف الجملة على ما قبلها لأنها بيان لعدلك. وجوز أن يكون الجار والمجرور في موضع الحال أي ركبك كائنا في أي صورة شاءها ، وقيل (أَيِ) موصولة صلتها جملة شاءها كأنه قيل ركبك في الصورة التي شاءها. وفيه أنه صرح أبو علي في التذكرة بأن أيا الموصولة لا تضاف إلى نكرة وقال ابن مالك في الألفية :
واخصصن بالمعرفة موصولة أيا
وفي شرحها للسيوطي مع اشتراط ما سبق يعني كون المعرفة غير مفردة فلا تضفها إلى نكرة خلافا لابن عصفور ، ويجوز أن تجعل (أَيِ) شرطية والماضي في جوابها في معنى المستقبل إذا نظر إلى تعلق المشيئة وترتب التركيب عليه فجيء بصورة إلى الماضي نظر إلى المشيئة وأداة الشرط نظرا إلى المتعلق والترتب ، ويجوز أن يكون الجار متعلقا «بعدلك» وحينئذ يتعين في أي الصفة كأنه قيل (فَعَدَلَكَ) في صورة أي صورة في صورة عجيبة ثم حذف الموصوف زيادة للتفخيم والتعجيب و (أَيِ) هذه منقولة من الاستفهامية لكنها لانسلاخ معناها عنها بالكلية عمل فيها ما قبلها ، ويكون (ما شاءَ رَكَّبَكَ) كلاما مستأنفا و (ما) إما موصولة أو موصوفة مبتدأ أو مفعولا مطلقا لركبك ، أي ما شاء من التركيب ركبك فيه أو تركيبا شاء ركبك. وجوز أن تكون شرطية و (شاءَ) فعل الشرط و (رَكَّبَكَ) جزاؤه أي إن شاء تركيبك في أي صورة غير هذه الصورة ركبك فيها والجملة الشرطية في موضع الصفة لصورة والعائد محذوف ، ولم يجوزوا على هذا الوجه تعلق الظرف بركبك لأن معمول ما في حيز الشرط لا يجوز تقديمه عليه (كَلَّا) ردع عن الاغترار بكرم الله تعالى