وجعله ذريعة إلى الكفر والمعاصي مع كونه موجبا للشكر والطاعة. وقوله تعالى (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) إضراب عن جملة مقدرة ينساق إليها الكلام كأنه قيل بعد الردع بطريق الاعتراض وأنتم لا ترتدعون عن ذلك بل تجترءون على أعظم منه حيث تكذبون بالجزاء والبعث رأسا أو بدين الإسلام اللذين هما من جملة أحكامه فلا تصدقون سؤالا ولا جوابا ولا ثوابا ولا عقابا وفيه ترقّ من الأهون إلى الأغلظ. وعن الراغب بل هنا لتصحيح الثاني وإبطال الأول كأنه قيل : ليس هنا مقتض لغرورهم ولكن تكذيبهم حملهم على ما ارتكبوه ، وقيل تقدير الكلام أنكم لا تستقيمون على ما توجبه نعمي عليكم وإرشادي لكم بل تكذبون إلخ. وقيل إن (كَلَّا) ردع عما دل عليه هذه الجملة من نفيهم البعث و (بَلْ) إضراب عن مقدر كأنه قيل ليس الأمر كما تزعمون من نفي البعث والنشور ثم قيل : لا تتبينون بهذا البيان بل تكذبون إلخ. وأدغم خارجة عن نافع (رَكَّبَكَ كَلَّا) كأبي عمرو في ادغامه الكبر وقرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة وأبو بشر «يكذبون» بياء الغيبة وقوله تعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) حال من فاعل (تُكَذِّبُونَ) مفيدة لبطلان تكذيبهم وتحقيق ما يكذبون به من الجزاء على الوجهين في الدين أي تكذبون بالجزاء والحال أن عليكم من قبلنا لحافظين لأعمالكم (كِراماً) لدينا (كاتِبِينَ) لها (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) من الأفعال قليلا كان أو كثيرا ويضبطونه نقيرا أو قطميرا وليس ذلك للجزاء وإقامة الحجة وإلّا لكان عبثا ينزه عنه الحكيم العليم. وقيل : جيء بهذه الحال استبعادا للتكذيب معها وليس بذاك. وفي تعظيم الكاتبين بالثناء عليهم تفخيم لأمر الجزاء وأنه عند الله عزوجل من جلائل الأمور حيث استعمل سبحانه فيه هؤلاء الكرام لديه تعالى ثم إن هؤلاء الحافظين غير المعقبات في قوله تعالى (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [الرعد : ١١]. فمع الإنسان عدة ملائكة. روي عن عثمان أنه سأل النبي صلىاللهعليهوسلم كم من ملك على الإنسان؟ فذكر عليه الصلاة والسلام عشرين ملكا. قال المهدوي في الفيصل : وقيل إن كل آدمي يوكل به من حين وقوعه نطفة في الرحم إلى موته أربعمائة ملك ومن يكتب الأعمال ملكان كاتب الحسنات وهو في المشهور على العاتق الأيمن وكاتب ما سواها وهو على العاتق الأيسر والأول أمين على الثاني فلا يمكنه من كتابة السيئة إلّا بعد مضي ست ساعات من غير مكفر لها ، ويكتبان كل شيء حتى الاعتقاد والعزم والتقرير وحتى الأنين في المرض وكذا يكتبان حسنات الصبي على الصحيح ويفارقان المكلف عند الجماع ولا يدخلان مع العبد الخلاء. وأخرج البزار عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تعالى ينهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حاجات الغائط والجنابة والغسل». ولا يمنع ذلك من كتبهما ما يصدر عنه ويجعل الله تعالى لهما أمارة على الاعتقاد القلبي ونحوه ويلزمان العبد إلى مماته فيقومان على قبره يسبحان ويهللان ويكبران ويكتب ثوابه للميت إلى يوم القيامة إن كان آمنا ويلعنانه إلى يوم القيامة إن كان كافرا. واستظهر بعضهم أنهما اثنان بالشخص وقيل بالنوع وقيل : كاتب الحسنات يتغير دون كاتب السيئات ونصوا على أن المجنون لا حفظة عليه وورد في بعض الآثار ما يدل على أن بعض الحسنات ما يكتبها غير هذين الملكين والظواهر تدل على أن الكتب حقيقي وعلم الآلة وما يكتب فيه مفوض إلى الله عزوجل.
وقوله سبحانه (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) استئناف مسوق لبيان نتيجة الحفظ والكتب من الثواب والعقاب. وفي تنكير النعيم والجحيم ما لا يخفى من التفخيم والتهويل. وقوله تعالى (يَصْلَوْنَها) إما صفة للجحيم أو حال من ضمير (الْفُجَّارَ) في الخبر أو استئناف مبني على سؤال نشأ من