ينامون وكأنه لدفع توهم النوم من ذكر الأرائك المعدة للنوم غالبا ، وفيه إشارة إلى أنه لا نوم في الجنة كما وردت في الأخبار لما فيه من زوال الشعور وغفلة الحواس إلى غير ذلك مما لا يناسب ذلك المقام. وعليه يكون قوله سبحانه (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) أي بهجة النعيم ورونقه لنفي ما يوهمه سلب النوم من الضعف وتغير بهجة الوجه كما في الدنيا وهو وجه لا يعرف فيه الناظر نضرة التحقيق والخطاب في تعرف لكل من له حظ من الخطاب للإيذان بأن ما لهم من آثار النعمة وأحكام البهجة بحيث لا يختص براء دون راء. وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق وطلحة وشيبة ويعقوب «تعرف» مبنيا للمفعول «نضرة» رفعا على النيابة عن الفاعل ، وجوز بعضهم أن يكون نائب فاعل (تَعْرِفُ) ضمير (الْأَبْرارَ) و (فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ) مبتدأ وخبر كأنه قيل تعرف الأبرار بأن في وجوههم نضرة النعيم وليس بشيء كما لا يخفى. وقرأ زيد بن علي كذلك إلا أنه قرأ «يعرف» بالياء إذ تأنيث (نَضْرَةَ) مجازي (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ) قال الخليل : هو أجود الخمر وقال الأخفش والزجاج: الشراب الذي لا غش فيه ، قال حسان :
يسقون من ورد البريص عليهم |
|
بردى يصفق بالرحيق السلسل |
وفسرها هنا بالشراب الخالص مما يكدر حتى الغول (مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ) أي مختوم أوانيه وأكوابه بالمسك مكان الطين كما روي عن مجاهد وذكر أن طين الجنة مسك معجون. والظاهر أن الختام ما يختم به وأن الختم على حقيقته وكذا إسناده. وقولنا : مختوم أوانيه إلخ ليس لأن الإسناد مجازي بل لأن الختم على الشيء أعني الاستيثاق منه بالختم طريقه ذلك وختم اعتناء به وإظهارا لكرامة شاربه وكان ذلك بما هو على هيئة الطين ليكون على النهج المألوف. ويجوز أن يكون ذلك تمثيلا لكمال نفاسته وإلّا فليس ثمة غبار أو ذباب أو خيانة ليصان على ذلك بالختم. وقال ابن عباس وابن جبير والحسن : المعنى خاتمته ونهايته رائحة مسك إذا شرب أي يجد شاربه ذلك عند انتهاء شربه وكان ذلك لأن اشتغال الذائقة بكمال لذته تمنع عن إدراك الرائحة فإذا انقطع الشرب أدركت وإلّا فالرائحة لا تختص بالانتهاء. وقيل : المعنى ذو نهاية نهايته وما يبقى بعد شربه ويشرب في أوانيه مسك وليس كشراب الدنيا نهايته. وما يرسب في إنائه طين أو نحوه وهو كما ترى. وقيل : إن الرحيق يمزج بالكافور ويختم مزاجه بالمسك ، فالمعنى ذو ختام ختام مزاجه مسك وهو مع كونه خلاف الظاهر وفيما بعد ما يبعده في الجملة يحتاج إلى نقل يعول عليه وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والنخعي والضحاك وزيد بن علي وأبو حيوة وابن أبي عبلة والكسائي «خاتمه» بألف بعد الخاء وفتح التاء والمراد ما يختم به أيضا فإن فاعلا بالفتح يكون أيضا اسم آلة كالقالب والطابع لكنه سماعي. وعن الضحاك وعيسى وأحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي كسر التاء أي آخره رائحة مسك ، والجمل السابقة أعني (عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) و (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ) إلخ و (يُسْقَوْنَ) إلخ قيل أحوال مترادفة ، وقيل مستأنفات كجملة (إِنَّ الْأَبْرارَ) إلخ وقعت أجوبة للسؤال عن حالهم والفصل للتنبيه على استقلال كل في بيان كرامتهم.
(وَفِي ذلِكَ) إشارة إلى الرحيق وهو الأنسب بما بعد أو إلى ما ذكر من أحوالهم وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو مرتبته وبعد منزلته ، وجوز أن يكون لكونه في الجنة والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى : (فَلْيَتَنافَسِ) وقدم للاهتمام أو للحصر أي فليتنافس وليرغب فيه لا في خمور الدنيا أو لا في غيره من ملاذها ونعيمها (الْمُتَنافِسُونَ) أي الراغبون في المبادرة إلى طاعة الله تعالى ، وقيل : أي فليعمل لأجله أي لأجل تحصيله خاصة والفوز به العاملون كقوله تعالى (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) [الصافات : ٦١] أي فليستبق في