تحصيل ذلك المتسابقون ، وأصل التنافس التغالب في الشيء النفيس وأصله من النفس لعزتها. قال الواحدي : نفست الشيء أنفسه نفاسة ، والتنافس تفاعل منه كأن واحد من الشخصين يريد أن يستأثر به. وقال البغوي : أصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس ويريده كل أحد لنفسه ، ويقال : نفست عليه بالشيء أنفس نفاسة إذا بخلت به عليه. وفي مفردات الراغب : المنافسة مجاهدة النفس للتشبه بالأفاضل واللحوق بهم من غير إدخال ضرر على غيره وهي بهذا المعنى من شرف النفس وعلو الهمة ، والفرق بينها وبين الحسد أظهر من أن يخفى ، واستشكل ذلك التعلق بأنه يلزم عليه دخول العاطف على العاطف إذ التقدير و «فليتنافس في ذلك» وأجيب بأنه بتقدير القول أي يقولون لشدة التلذذ من غير اختيار من ذلك (فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) أي في الدنيا على معنى أنه كان اللائق بهم أن يتنافسوا في ذلك ، وقيل : الكلام على تقدير حرف الشرط والفاء واقعة في جوابه أي وإن أريد تنافس فليتنافس في ذلك المتنافسون ، وتقديم الظرف ليكون عوضا عن الشرط في شغل حيزه وهو أنفس مما تقدم. وقوله تعالى : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) عطف على (خِتامُهُ مِسْكٌ) صفة أخرى لرحيق مثله وما بينهما اعتراض مقرر لنفاسته ، و (تَسْنِيمٍ) علم لعين بعينها في الجنة كما روي عن ابن مسعود وعن حذيفة بن اليمان أنه قال : عين من عدن سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه إما لأن شرابها أرفع شراب في الجنة على ما روي عن ابن عباس ، أو لأنها تأتيهم من فوق على ما روي عن الكلبي ، وروي أنها تجري في الهواء متسنمة فتنصب في أوانيهم. وقيل : سميت بذلك لرفعة من يشرب بها ولا يلزم من كونه علما لما ذكر منع صرفه للعلمية والتأنيث لأن العين مؤنثة إذ هي قد تذكر بتأويل الماء أو نحوه و (مِنْ) بيانية أو تبعيضية أي ما يمزج به ذلك الرحيق هو تسنيم أي ماء تلك العين أو بعض ذلك وجوز أن تكون ابتدائية. (عَيْناً) نصب على المدح. وقال الزجاج : على الحال من تسنيم قيل وصح كونه حالا مع جموده لوصفه بقوله تعالى (يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) أو لتأويله بمشتق كجارية وأنت تعلم أن الاشتقاق غير لازم ، والباء إما زائدة أي يشربها أو بمعنى من أي يشرب منها ، أو على تضمين يشرب معنى يروى أي يشرب راوين بها أو يروى بها شاربين المقربون أو صلة الالتذاذ أي يشرب ملتذا بها ، أو الامتزاج أي يشرب الرحيق ممتزجا بها ، أو الاكتفاء أي يشرب مكتفين بها أوجه ذكروها ، وفي كونها صلة الامتزاج مقال فقد قال ابن مسعود وابن عباس والحسن وأبو صالح : يشرب بها المقربون صرفا وتمزج للأبرار ومذهب الجمهور أن الأبرار هم أصحاب اليمين وأن المقربين هم السابقون كأنهم إنما كان شرابهم صرف التسنيم لاشتغالهم عن الرحيق المختوم بمحبة الحي القيوم فهي الرحيق التي لا يقاس بها رحيق ، والمدامة التي تواصى على شربها ذو والأذواق والتحقيق :
على نفسه فليبك من ضاع عمره |
|
وليس له منها نصيب ولا سهم |
وقال قوم الأبرار والمقربون في هذه السورة بمعنى واحد يشمل كل من نعم في الجنة. وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) إلخ حكاية لبعض قبائح مشركي قريش أبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأشياعهم جيء بها تمهيدا لذكر بعض أحوال الأبرار في الجنة (كانُوا) أي في الدنيا كما قال قتادة (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) كانوا يستهزءون بفقرائهم كعمار وصهيب وخباب وبلال وغيرهم من الفقراء. وفي البحر روي أن عليا كرم الله تعالى وجهه وجمعا من المؤمنين معه مروا بجمع من كفار مكة فضحكوا منهم واستخفوا بهم فنزلت (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) إلخ قبل أن يصل علي كرم الله تعالى وجهه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وفي