ووجهه على الثاني ظاهر وعلى الأول قد أشرنا إليه ، وقيل : وجهه عليه أن الإعادة للمجازاة فهي متضمنة للبطش وليس بذاك. وعن ابن عباس يبدئ العذاب بالكفار ويعيده عليهم فتأكلهم النار حتى يصيروا فحما ثم يعيدهم عزوجل خلقا جديدا وفيه خفاء وإن كان أمر الجملة عليه في غاية الظهور. واستعمال يبدئ مع يعيد حسن وإن لم يسمع أبدا كما بين في محله. وحكى أبو زيد أنه قرئ «يبدأ» من بدأ ثلاثيا وهو المسموع لكن القراءة بذلك شاذة (وَهُوَ الْغَفُورُ) لمن يشاء من المؤمنين وقيل لمن تاب وآمن والتخصيص عند من يرى رأي أهل السنة إما لمناسبة مقام الإنذار أو لما في صيغة الغفور من المبالغة فأصل المغفرة لا يتوقف على التوبة وزيادتها بها لا يعلمه إلّا الله تعالى للتائبين (الْوَدُودُ) المحب كثيرا لمن أطاع ففعول صيغة مبالغة في الواد اسم فاعل ومحبة الله تعالى ومودته عند الخلف بإنعامه سبحانه وإكرامه جل شأنه ، ومن هنا فسر الودود بكثير الإحسان ، وعن ابن عباس أي المتودد إلى عباده تعالى شأنه بالمغفرة. وقيل : هو فعول بمعنى مفعول كركوب وحلوب أي يوده ويحبه سبحانه عباده الصالحون وهو خلاف الظاهر. وحكى المبرد عن القاضي إسماعيل بن إسحاق أن الودود هو الذي لا ولد له ، وأنشد قوله :
وأركب في الروع عريانة |
|
ذلول الجماح لقاحا ودودا |
أي لا ولد لها تحن إليه وحمله مع الغفور على هذا المعنى غير مناسب كما لا يخفى (ذُو الْعَرْشِ) أي صاحبه والمراد مالكه أو خالقه وهو أعظم المخلوقات. وعن عليّ كرم الله تعالى وجهه : لو جمعت مياه الدنيا ومسح بها سطح العرش الذي يلينا لما استوعب منه إلّا قليل. وجاء في الأخبار من عظمه ما يبهر العقول. وقال القفال (ذُو الْعَرْشِ) ذو الملك والسلطان كأنه جعل العرش بمعنى الملك بطريق الكناية والتجوز ، وجوز أن يبقى العرش على حقيقته ويراد بذي العرش الملك لأن ذا العرش لا يكون إلا ملكا. وقرأ ابن عامر في رواية «ذي العرش» بالياء على أنه صفة ل (رَبِّكَ) وحينئذ يكون قوله تعالى (إِنَّهُ هُوَ) إلخ جملة معترضة لا يضر الفصل بها بين الصفة والموصوف ، وكذا لا يضر الفصل بينهما بخبر المبتدأ لأنه ليس بأجنبي فإن الموصوف هنا من تتمة المبتدأ. وقد قال ابن مالك في التسهيل : يجوز الفصل بين التابع والمتبوع بما لا يتمحض مباينته. نعم قال ابن الحاجب الفصل بين الصفة والموصوف بخبر المبتدأ شاذ كما في قوله :
وكل أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلّا الفرقدان |
(الْمَجِيدُ) العظيم في ذاته عزوجل وصفاته سبحانه فإنه تعالى شأنه واجب الوجوب تام القدرة كامل الحكمة. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وابن وثاب والأعمش والمفضل عن عاصم والأخوان «المجيد» بالجر صفة للعرش ومجده علوه وعظمته وحسن صورته وتركيبه ، فإنه قيل العرش أحسن الأجسام صورة وتركيبا وليس من مجده كون الحوادث الكونية بتوسط أوضاعه كما يزعمه المنجمون فإن ذلك باطل شرعا وعقلا على ما تقتضيه أصولهم. وجاز على قراءة «ذي العرش» بالياء أن يكون صفة ل ذي وجوز كونه صفة ل (رَبِّكَ) وليس بذلك لأن الأصل عدم الفصل بين التابع والمتبوع فلا يقال به ما لم يتعين (فَعَّالٌ) لما يريد بحيث لا يتخلف عن إرادته تعالى من أفعاله سبحانه وأفعال غيره عزوجل فما للعموم وفي التنكير من التفخيم ما لا يخفى وفيه رد ظاهر على المعتزلة في قولهم إنه سبحانه وتعالى إيمان الكافر وطاعة العاصي ويتخلفان عن إرادته سبحانه والمرفوعات كلها على ما استحسنه أبو حيان أخبار لهو في قوله تعالى (هُوَ الْغَفُورُ) وجوز أن يكون (الْوَدُودُ) و (ذُو الْعَرْشِ) و (الْمَجِيدُ) صفات ل (غفور) ومن لم يجوز تعدد الخبر لمبتدإ واحد يقول بذلك أو بتقدير مبتدءات للمذكورات. وأطلق الزمخشري القول بأن (فَعَّالٌ) خبر لمبتدإ محذوف أي هو