فعال فقال صاحب الكشف إنما لم يحمله على أنه خبر السابق أعني هو في قوله تعالى (هُوَ الْغَفُورُ) لأن قوله سبحانه (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) تحقيق للصفتين البطش بالأعداء والغفر والود للأولياء ، ولو حمل عليه لفاتت هذه النكتة اه. وهو تدقيق لطيف.
وقوله تعالى (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) استئناف فيه تقرير لكونه تعالى فعالا لما يريد وكذا لشدة بطشه سبحانه بالظلمة العصاة والكفرة العتاة وتسلية له صلىاللهعليهوسلم بالإشعار بأنه سيصيب كفرة قومه ما أصاب الجنود وهو جمع جند يقال للعسكر اعتبارا بالغلظة من الجند أي الأرض الغليظة وكذا للأعوان ، ويقال لصنف من الخلق على حدة وكذا لكل مجتمع والمراد ب (الْجُنُودِ) هاهنا الجماعات الذين تجندوا على أنبياء الله تعالى عليهمالسلام واجتمعوا على أذيتهم (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) بدل من (الْجُنُودِ) بدل كل من كل على حذف مضاف أي جنود فرعون أو على أن يراد بفرعون هو وقومه ، واكتفى بذكره عنهم لأنهم أتباعه. وقيل : البدل هو المجموع لا كل من المتعاطفين وهو خلاف الظاهر. وقال السمين : يجوز كونه منصوبا بأعني لأنه لما لم يطابق ما قبله وجب قطعه ، وتعقب بأنه تفسير للجنود حينئذ فيعود الإشكال. وأجيب بأن المفسر حينئذ المجموع وليس اعتباره مع أعني كاعتباره مع الإبدال والمراد بحديثهم ما صدر عنهم من التمادي في الكفر والضلال وما حل بهم من العذاب والنكال ، والمعنى قد أتاك حديثهم وعرفت ما فعلوا وما فعل بهم فذكر قومك بأيام الله تعالى وشئونه سبحانه ، وأنذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أمثالهم وقوله تعالى (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي من قومك (فِي تَكْذِيبٍ) إضراب انتقالي عن مماثلتهم لهم وبيان لكونهم أشد منهم في الكفر والطغيان كما ينبئ عنه العدول عن يكذبون إلى (فِي تَكْذِيبٍ) المفيد لإحاطة التكذيب بهم إحاطة الظرف بمظروفه أو البحر بالغريق فيه مع ما في تنكيره من الدلالة على تعظيمه وتهويله. فكأنه قيل : ليسوا مثلهم بل هم أشد منهم فإنهم غرقى مغمورون في تكذيب عظيم للقرآن الكريم فهم أولى منهم في استحقاق العذاب ، أو كأنه قيل : ليست جنايتهم مجرد عدم التذكر والاتعاظ بما سمعوا من حديثهم بل هم مع ذلك في تكذيب عظيم للقرآن الناطق بذلك وكونه قرآنا من عند الله تعالى مع وضوح أمره وظهور حاله بالبينات الباهرة وقوله تعالى (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) جوز أن يكون اعتراضا تذليليا وأن يكون حالا من الضمير في الجار والمجرور السابق ، والكلام تمثيل لعدم نجاتهم من بأس الله تعالى بعدم فوت المحاط المحيط كما قال غير واحد ، وكان المعنى أنه عزوجل عالم بهم وقادر عليهم وهم لا يعجزونه ولا يفوتونه سبحانه وتعالى. وذكر عصام الدين أن في ذلك تعويضا وتوبيخا للكفار بأنهم نبذوا الله سبحانه وراء ظهورهم وأقبلوا على الهوى والشهوات بكليتهم ولعل ذلك من العدول عن ربهم إلى من ورائهم.
وقوله تعالى (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) رد لكفرهم وإبطال لتكذيبهم وتحقيق للحق أي بل هو كتاب شريف عالي الطبقة فيما بين الكتب الإلهية في النظم والمعنى لا يحق تكذيبه والكفر به. وقيل : إضراب وانتقال عن الإخبار بشدة تكذيبهم وعدم ارعوائهم عنه إلى وصف القرآن للإشارة إلى أنه لا ريب فيه ولا يضره تكذيب هؤلاء ، والأول أولى. وزعم بعضهم أن الإضراب الأول عن قصة فرعون وثمود إلى جميع الكفار والمعنى عليه أن جميع الكفار في تكذيب ولم يكن نبي فارغا عن تكذيبهم والله تعالى لا يهمل أمرهم ، وفيه من تسليتهصلىاللهعليهوسلم ما فيه ويبعده إرداف ذلك بهذا الإضراب. وقرأ ابن السميفع «قرآن مجيد» بالإضافة قال ابن خالويه: سمعت ابن الأنباري يقول : معناه بل هو قرآن رب مجيد كما قال الشاعر :