الموضوعة لذلك عن الرفث وسوء الأدب ، ومن هذا يعلم ما في التعبير عنه تعالى شأنه بنحو ليلى ونعم كما يدعي ذلك في قول ابن الفارض قدسسره :
أبرق بدا من جانب الغور لامع |
|
أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع |
وقوله :
إذا أنعمت نعم عليّ بنظرة |
|
فلا أسعدت سعدى ولا أجملت جمل |
إلى غير ذلك من أبياته وقد عاب ذلك بعض الأجلّة وعدّه من سوء الأدب ومخالفا لقوله تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) [الأعراف : ١٨٠] الآية وأجاب بعضهم بأن ذلك ليس من الوضع في شيء وفهم الحضرة الإلهية من تلك الألفاظ إنما هو بطريق الإشارة كما قالوا في فهم النفس الأمارة من البقرة مثلا في قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) [البقرة : ٦٧] والمنكر لا يقنع بهذا والأظهر أن يقال : إن الكلام المورد فيه ذلك من قبيل الاستعارة التمثيلية ولا نظر فيها إلى تشبيه المفردات بالمفردات فليس فيه التعبير عنه عزوجل بليلى ونحوها ، واستعمال الاستعارة التمثيلية في شأنه تعالى مما لا بأس به حتى إنهم قالوه في البسملة كما لا يخفى على من تتبع رسائلهم فيها هذا ولعل عندهم خيرا منه. وقال جمع : الاسم بمعنى التسمية والمعنى نزه تسمية ربك بأن تذكره وأنت له سبحانه معظم ولذكره جل شأنه محترم ، وأنت تعلم أن هذا يندرج في تسبيح الاسم كما تقدم. وعن ابن عباس أن المعنى صل باسم ربك الأعلى كما تقول : ابدأ باسم الله تعالى ، وحذف حرف الجر حكاه في البحر ولا أظن صحته. وقال عصام الدين : لا يبعد أن يراد الاسم الأثر أي سبح آثار ربك الأعلى عن النقصان فإن أثره تعالى دال عليه سبحانه كالاسم فيكون منعا عن عيب المخلوقات أي من حيث إنها مخلوقة له تعالى على وجه ينافي قوله تعالى (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) [الملك : ٣] ولا يخفى بعده وإن كان فيما بعد من الصفات ما يستأنس به له ، وأنا أقول إن كان (سَبِّحِ) بمعنى نزه فكلا الأمرين من كون اسم مقحما وكونه غير مقحم وتعلق التسبيح به على الوجه الذي سمعت محتمل غير بعيد ، وإذا كان معناه قل سبحان كما هو المعروف فيما بينهم فكونه مقحما متعين إذ لم يسمع سلفا وخلفا من يقول سبحان اسم ربي الأعلى أو سبحان اسم الله ، والأخبار ظاهرة في ذلك وحمل ما فيها على اختيار الأخصر المستلزم لغيره كما ترى ويؤيد هذا قراءة أبيّ بن كعب كما في خبر سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن جبير «سبحان ربي الأعلى» وأما ما قيل من أن الاسم عين المسمى واستدل عليه بهذه الآية ونحوها فهو مما لا يعول عليه أصلا وقد تقدم الكلام أول الكتاب فارجع إليه إن أردته و (الْأَعْلَى) صفة للرب وأريد بالعلو القهر والاقتدار لا بالمكان لاستحالته عليه سبحانه والسلف وإن لم يؤولوه بذلك لكنهم أيضا يقولون باستحالة العلو المكاني عليه عزوجل وجوز جعله صفة لاسم وعلوه ترفعه عن أن يشاركه اسم في حقيقة معناه. واستشكل بأن قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَ) إلخ إن كان صفة للرب كما هو الظاهر لزم الفصل بين الموصوف وصفته بصفة غيره وهو لا يجوز فلا يقال : رأيت غلام هند العاقل الحسنة ، وإن كان صفة لاسم أيضا اختل المعنى إذ الاسم لا يتصف بالخلق وما بعده. وأجيب باختيار الثاني ولا اختلال إما لأن الاسم بمعنى المسمى ، أو لأنه لما كان مقحما كان (اسْمَ رَبِّكَ) بمنزلة ربك فصح وصفه بما يوصف به الرب عزوجل وفيه نظر والجواب المقبول أن (الَّذِي) على ذلك التقدير إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح ، ومفعول (خَلَقَ) محذوف ولذا قيل بالعموم أي