لفظه وهو مؤنث ولذا إذا صغر دخلته التاء فقالوا أبيلة وقالوا في الجمع آبال وقد اشتقوا من لفظه ، فقالوا : أبل وتأبل الرجل وتعجبوا من هذا الفعل على غير قياس فقالوا : ما آبل زيدا ولم يحفظ سيبويه فيما قيل اسما جاء على فعل بكسر الفاء والعين وغير ابل أي أينكرون ما أشير إليه من البعث وأحكامه ويستبعدون وقوعه من قدرة الله عزوجل فلا ينظرون إلى الإبل التي هي نصب أعينهم يستعملونها كل حين كيف خلقت خلقا بديعا معدولا به عن سنن خلق أكثر أنواع الحيوانات في عظم جثتها وشدة قوتها وعجيب هيئاتها اللائقة بتأتّي ما يصدر عنها من الأفاعيل الشاقة كالنوء بالأوقار الثقيلة وهي باركة وإيصالها الأثقال الفادحة إلى الأقطار النازحة وفي صبرها على الجوع والعطش حتى إن ظمأها ليبلغ العشر بكسر فسكون وهو ثمانية أيام بين الوردين وربما يجوز ذلك وتسمى حينئذ الحوازي بالحاء المهملة والزاي واكتفائها بالسير ورعيها لكل ما يتيسر من شوك وشجر وغير ذلك مما لا يكاد يرعاه سائر البهائم ، وفي انقيادها مع ذلك للإنسان في الحركة والسكون والبروك والنهوض حيث يستعملها في ذلك كيف يشاء ويقتادها بقطارها كل صغير وكبير ، وفي تأثرها بالصوت الحسن على غلظ أكبادها إلى غير ذلك ، وخصت بالذكر لأنها أعجب ما عند العرب من الحيوانات التي هي أشرف المركبات وأكثرها صنعا ولهم على أحوالها أتم وقوف. وعن الحسن أنها خصت بالذكر لانها تأكل النوى والقتّ وتخرج اللبن ، وقيل له الفيل أعظم في الأعجوبة ، فقال : العرب بعيدة العهد بالفيل ثم هو خنزير لا يؤكل لحمه ولا يركب ظهره أي على نحو ما يركب ظهر البعير من غير مشقة في تربيضه ولا يحلب دره. وقال أبو العباس المبرد : الإبل هنا السحاب لأن العرب قد تسميها بذلك إذ تأتي أرسالا كالإبل وتزجى كما تزجى الإبل وهي في هيئاتها أحيانا تشبه الإبل يعني أن إرادته منها هنا على طريق التشبيه والمجاز وكأنه كما قال الزمخشري لم يدع القائل بذلك إلّا طلب المناسبة بين المتعاطفات على ما يقتضيه قانون البلاغة وهي حاصلة مع بقاء الإبل في عطنها. قال الإمام : التناسب فيها أن الكلام مع العرب وهم أهل أسفار على الإبل في البراري فربما انفردوا فيها والمنفرد يتفكر لعدم رفيق يحادثه وشاغل يشغله فيتفكر فيما يقع عليه طرفه فإذا نظر لما معه رأى الإبل ، وإذا نظر لما فوقه رأى السماء ، وإذا نظر يمينا وشمالا رأى الجبال ، وإذا نظر لأسفل رأى الأرض فأمر بالنظر في خلوته لما يتعلق به النظر من هذه الأمور فبينها مناسبة بهذا الاعتبار. وقال عصام الدين : إن خيال العرب جامع بين الأربعة لأن ما لهم النفيس الإبل ومدار السقي لهم على السماء ورعيهم في الأرض وحفظ مالهم بالجبال ، وما ألطف ذكر الإبل بعد ذكر الضريع فإن خطورها بعده على طرف الثمام ، وإذا صح ما روي من كلام قريش عند نزول تلك الآية كان ذكرها ألطف وألطف.
وقرأ الأصمعي عن أبي عمرو «إلى الإبل» بسكون الباء وقرأ علي كرّم الله تعالى وجه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما «إبلّ» بتشديد اللام ورويت عن أبي عمرو وأبي جعفر والكسائي وقالوا : إنها السحاب عن قوم من أهل اللغة.
(وَإِلَى السَّماءِ) التي يشاهدونها ليلا ونهارا (كَيْفَ رُفِعَتْ) رفعا سحيق المدى بلا عماد ولا مساك بحيث لا يناله الفهم والإدراك (وَإِلَى الْجِبالِ) التي ينزلون في أقطارها وينتفعون بمائها وأشجارها (كَيْفَ نُصِبَتْ) وضعت وضعا ثابتا يتأتى معه ارتقاؤها فلا تميل ولا تميد ويمكن الرقي إلى دارها (وَإِلَى الْأَرْضِ) التي يضربون فيها ويتقلبون عليها (كَيْفَ سُطِحَتْ) سفحا بتوطئة وتمهيد وتسوية وتوطيد حسبما يقتضيه صلاح أمور أهلها ولا ينافي ذلك القول بأنها قريبة من الكرة الحقيقية لمكان عظمها. وقرأ عليّ كرم الله تعالى