وجهه وأبو حيوة وابن أبي عبلة «خلقت» «رفعت» «نصبت» «سطحت» بتاء المتكلم مبنيا للفاعل والمفعول ضمير محذوف وهو العائد إلى المبدل منه بدل اشتمال أي خلقتها رفعتها نصبتها سطحتها. وقرأ الحسن وهارون الرشيد (سُطِحَتْ) بتشديد الطاء والمعنى أفلا ينظرون نظر التدبر والاعتبار إلى كيفية خلق هذه المخلوقات الشاهدة بحقية البعث والنشور ليرجعوا عما هم عليه من الإنكار والنفور ويسمعوا إنذارك ويستعدوا للقائه بالإيمان والطاعة. وجوز أن يحمل النظر على الإبصار ويكون فيه دعوى ظهور المطلوب بحيث يظهر بمجرد إبصار هذه المخلوقات وهو خلاف الظاهر. والفاء في قوله تعالى (فَذَكِّرْ) لترتيب الأمر بالتذكير على ما ينبئ عنه الإنكار السابق من عدم النظر أي فاقتصر على التذكير ولا تلح عليهم ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يتذكرون. وقوله تعالى (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) تعليل للأمر. وقوله سبحانه (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) تقرير له وتحقيق لمعنى الإنذار أي لست بمتسلط عليهم تجبرهم على ما تريد كقوله تعالى (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) [ق : ٤٥] وقرأ الجمهور «بمصيطر» بالصاد وكسر الطاء والأصل السين والصاد بدل منه فإنه من السطر بمعنى التسلط يقال : سطر عليه إذا تسلط وقرأ حمزة في رواية بإشمام الصاد زايا وهارون بفتح الطاء وهي لغة تميم وسيطر متعد عندهم ويدل عليه قولهم تسيطر لمكان المطاوعة. وقوله تعالى (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) قيل استثناء منقطع و (إِلَّا) فيه بمعنى لكن و (مَنْ) موصولة مبتدأ وما بعدها صلة والعائد الضمير المستتر فيه. وقوله سبحانه (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) خبر المبتدأ والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط نحو : الذي يأتيني فله درهم ، وجعل من شرطية يبعده وجود الفاء فيما يصلح لجوابيتها بدونها وتقدير فهو يعذبه تكلف مستغنى عنه وأيّا ما كان فمن المنقطع ما يقع بعد إلّا فيه جملة أي لكن من أعرض وأقام على الكفر منهم يعذبه الله تعالى العذاب الأكبر وهذا عذاب الآخرة في النار فإنه الأكبر وعذاب الدنيا بالنسبة إليه أصغر. وجعل الزمخشري الانقطاع على معنى لست بمستول عليهم لكن من تولى وكفر منهم فإن لله تعالى الولاية عليه والقهر فيعذبه في نار جهنم ولم يجعل على ما قيل متصلا لأنه يلزم عليه كونه صلىاللهعليهوسلم مستوليا على من تولى وقد حصرت الولاية به تعالى ، وجوز اتصاله بأن يكون من ضمير (عَلَيْهِمْ) فيكون من في محل جر تابعا له وتسلطه صلىاللهعليهوسلم على المتولي باعتبار جهاده وقتله الذي وعد به عليه الصلاة والسلام ولا ينافي حصر الولاية به تعالى لأنه بأمره عزوجل فكأنه قيل : لست عليهم بمسيطر إلّا على من تولى وأقام على الكفر فإنك متسلط عليه بما يؤذن لك من جهاده وقتله وسبيه وأسره وبعده ذلك يعذبه الله تعالى في جهنم ، فيكون في الآية إيعاد لهم بالجهاد في الدنيا وعذاب النار في الآخرة. وجوز أن يكون إيعادا بالجهاد فقط على أن المراد بالعذاب الأكبر القتل وسبي النساء والأولاد وسائر ما يترتب على الجهاد من البلايا فيكون فيه إشارة إلى أن هذه الأمة أكبر عذابهم في الدنيا ذلك لا ما كان في الأمم السابقة من الخسف والمسخ ونحوهما وأقيم (فَيُعَذِّبُهُ) إلخ مقام فتكون عليه متسلطا إيذانا بأن ذلك من قبله عزوجل حتى كأنه صلىاللهعليهوسلم لا دخل له فيه وقال عصام الدين في كون الاستثناء منقطعا إشكال لأن المستثنى المنقطع هو المذكور بعدا لا غير مخرج عن متعدد قبله لعدم دخوله فيه مخالف له في الحكم وليس من تولى وكفر خارجا عن قوله تعالى (عَلَيْهِمْ) وليس حكمهم مخالفا له. ثم أجاب بأن الاستثناء المنقطع قد يكون لدفع توهم ناشئ مما سبق من غير أن يخالف المستثنى منه في الحكم فالواجب ذكر حكم له ليعلم أنه ليس حكمه مخالفا لحكم المستثنى منه فكأنه هاهنا لدفع توهم التعذيب فتأمل. وجوز كون الاستثناء متصلا من قوله تعالى (فَذَكِّرْ) و (مَنْ) موصولة لا غير والمراد بالعذاب استحقاق العذاب أي فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى فاستحق العذاب الأكبر. وقوله (إِنَّما أَنْتَ) إلخ على هذا