(وَثَمُودَ) عطف على (عاد) وهي قبيلة مشهورة سميت باسم جدهم ثمود أخي جديس وهما ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح عليهالسلام ، كانوا عربا من العاربة يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك ، وكانوا يعبدون الأصنام ومنع الصرف للعملية والتأنيث. وقرأ ابن وثاب بالتنوين صرفه باعتبار الحي كذا قالوا ، وظاهره أنه عربي. وقد صرح بذلك فقيل هو فعول من الثمد وهو الماء القليل الذي لا مادة له ومنه قيل : فلان مثمود ثمدته النساء أي قطعن مادة مائه لكثرة غشيانه لهن ، ومثمود إذا كثر عليه السؤال حتى نفدت مادة ماله. وحكى الراغب أنه عجمي فمنع الصرف للعلمية والعجمة (الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ) أي قطعوا صخر الجبال واتخذوا فيها بيوتا نحتوها من الصخر كقوله تعالى (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) [الشعراء : ١٤٩] قيل أول من نحت الحجارة والصخور والرخام ثمود وبنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها بالحجارة ، ولا أظن صحة هذا البناء (بِالْوادِ) هو وادي القرى ، وقرئ بالياء آخر الحروف ، والباء للظرفية ، والجار والمجرور متعلق بجابوا أو بمحذوف هو حال من الفاعل أو المفعول. وقيل : الباء للآلة أو السببية متعلقة بجابوا أي جابوا الصخر بواديهم أو بسببه ، أي قطعوا الصخر وشقوه وجعلوه واديا ومحلا لمائهم فعل ذوي القوة والآمال وهو خلاف الظاهر وأيّا ما كان فالجواب القطع والظاهر أنه حقيقة فيه تقول جبت البلاد أجوبها إذا قطعتها. قال الشاعر :
ولا رأيت قلوصا قبلها حملت |
|
ستين وسقا ولا جابت بها بلدا |
ومنه الجواب لأنه يقطع السؤال. وقال الراغب : الجوب قطع الجوبة وهي الغائط من الأرض ثم يستعمل في قطع كل أرض ، وجواب الكلام هو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع لكنه خص بما يعود من الكلام دون المبتدأ من الخطاب انتهى. فاختر لنفسك ما يحلو (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) وصف بذلك لكثرة جنوده وخيامهم التي يضربون أوتادها في منازلهم أو لأنه كان يدق المعذب أربعة أوتاد ويشده بها مبطوحا على الأرض فيعذبه بما يريد من ضرب أو إحراق أو غيره وقد تقدم الكلام في ذلك (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) إما مجرور على أنه صفة للمذكورين عاد ومن بعده أو منصوب أو مرفوع على الذم أي طغى كل طاغية منهم في البلاد ، وكذا الكلام في قوله تعالى (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) أي بالكفر وسائر المعاصي (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ) أي أنزل سبحانه إنزالا شديدا على كل طائفة من أولئك الطوائف عقيب ما فعلت من الطغيان والفساد (سَوْطَ عَذابٍ) أي سوطا من عذاب على أن الإضافة بمعنى من ، والعذاب بمعنى المعذب به ، والمراد بذلك ما حل بكل منهم من فنون العذاب التي شرحت في سائر السور الكريمة. والسوط في الأصل مصدر من ساط يسوط إذا خلط ، قال الشاعر :
أحارث إنا لو تساط دماؤنا |
|
تزايلن حتى لا يمس دم دما |
وشاع في الجلد المضفور والذي يضرب به ، وسمي به لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض ، أو لأنه يخلط اللحم بالدم والتعبير عن إنزاله بالصب للإيذان بكثرته وتتابعه واستمراره فإنه عبارة عن إراقة شيء مائع أو جار مجراه في السيلان كالحبوب والرمل وإفراغه بشدة وكثرة واستمرار ، ونسبته إلى السوط مع أنه على ما سمعت ليس من هذا القبيل باعتبار تشبيهه في سرعة نزوله بالشيء المصبوب ، وتسمية ما أنزل سوطا قيل للإيذان بأنه على عظمه بالنسبة إلى ما أعد لهم في الآخرة كالسوط بالنسبة إلى سائر ما يعذب به في الكشف أن إضافة السوط إلى العذاب تقليل لما أصابهم منه ، ولا يأبى ذلك التعبير بالصب المؤذن بالكثرة لأن القلة والكثرة من الأمور النسبية. وجوز أن يراد بالعذاب التعذيب والإضافة حينئذ على معنى اللام وأمر التعبير بالصب