والتسمية بالسوط على ما تقدم. والآية من قبيل قوله تعالى (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ) [النحل : ١١٢] وجوز أن تكون الإضافة كالإضافة في لجين الماء أي فصب عليهم ربك عذابا كالسوط على معنى أنواعا من العذاب مخلوطا بعضها ببعض اختلاط طاقات السوط بعضها ببعض ، وأن يكون السوط مصدرا بمعنى المفعول والإضافة كالإضافة في جرد قطيفة أي فصب عليهم ربك عذابا مسوطا أي مخلوطا ، ومآله فصب أنواعا من العذاب خلط بعضها ببعض. وفي الصحاح (سَوْطَ عَذابٍ) أي نصيب عذاب ويقال شدته لأن العذاب قد يكون بالسوط ، وأراد أن الغرض التصوير والأليق بجزالة التنزيل ما تقدم (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) تعليل لما قبله وإيذان بأن كفار قومه صلىاللهعليهوسلم سيصيبهم مثل ما أصاب أضرابهم المذكورين من العذاب كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام ، والمرصاد المكان الذي يقوم به الرصد ويترقبون فيه مفعال من رصده كالميقات من وقته. وفي الكلام استعارة تمثيلية شبه كونه تعالى حافظا لأعمال العصاة على ما روي عن الضحاك مترقبا لها ومجازيا على نقيرها وقطميرها بحيث لا ينجو منه سبحانه أحد منهم بحال من قعد على الطريق مترصدا لمن يسلكها ليأخذه فيوقع به ما يريد ، ثم أطلق لفظ أحدهما على الآخر والآية على هذا وعيد للعصاة مطلقا. وقيل : هي وعيد للكفرة وقيل : وعيد للعصاة ووعد لغيرهم وهو ظاهر قول الحسن ، أي يرصد سبحانه أعمال بني آدم. وجوز ابن عطية كون المرصاد صيغة مبالغة كالمطعام والمطعان ، وتعقبه أبو حيان بأنه لو كان كما زعم لم تدخل الباء لأنها ليست في مكان دخولها لا زائدة ولا غير زائدة ، وأجيب بأنها على ذلك تجريدية نعم يلزمه إطلاق المرصاد على الله عزوجل وفيه شيء.
وقوله تعالى (فَأَمَّا الْإِنْسانُ) إلخ متصل بما عنده كأنه قيل إنه سبحانه لبالمرصاد من أجل الآخرة فلا يطلب عزوجل إلّا السعي لها ، فأما الإنسان فلا يهمه إلّا الدنيا ولذاتها ، فإن نال منها شيئا رضي الله وإلّا سخط وكان اللائق أن لا يهمه إلا ما يطلبه الله عزوجل ولا يكون حاله ذلك. وقيل : هو متصل به متفرع عليه على معنى فالإنسان يؤاخذ لا محالة لأنه بين غنى مهلك موجب للتكبر والافتخار بالدنيا ، وبين فقر لا يصبر عليه ويكفر لأجله بالجزع والقول بما لا ينبغي وهو كما ترى (إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) أي عامله معاملة من يبتليه بالغنى واليسار ليرى هل يشكر أم لا. والفاء في قوله سبحانه (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) تفسيرية فإن الإكرام والتنعيم عين المراد بالابتلاء ، ولما كان الإكرام والتنعيم في حكم شيء واحد اقتصر على قوله (أَكْرَمَنِ) في قوله سبحانه (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) ولم يضم إليه ونعمتي. وهذه الجملة خبر للمبتدإ الذي هو الإنسان ، والفاء لما في أما من معنى الشرط والظرف أعني إذا متعلق بيقول وهو على نية التأخير ولا تمنع الفاء من ذلك كما صرح به الزمخشري وغيره من متقدمي النحاة وتبعهم من بعدهم كأبي حيان والسمين والسفاقسي مع جمع غفير من المفسرين ، وهو كما قال الشهاب الحق الذي لا محيد عنه ، وخالفهم في ذلك الرضي ومن تبعه كالبدر الدماميني في شرح المغني ، فقالوا : إنما يجوز تقديم ما بعد الفاء عليها إذا كان المقدم هو الفاصل بين أما والفاء لما يتعلق بتقديمه من الأغراض فإن كان ثمت فاصل آخر امتنع تقديم غيره فيمتنع أما زيد طعامك فآكل وإن جاز أما طعامك فزيد آكل ، وقالوا في ذلك أنهم لما التزموا حذف الشرط لزم دخول أداته على فاء الجواب وهو مستكره فدعت الضرورة للفصل بينهما بشيء مما بعد الفاء والفاصل الواحد كاف فيه فيجب الاقتصار عليه. وزعم الجلبي محشي المطول أن هذا متفق عليه فرد به على المفسرين إعرابهم السابق وقال إنه خطأ ، والصواب أن يجعل الظرف متعلقا بمقدر وهو ابتدأ في الحقيقة ، والتقدير فأما شأن الإنسان إذا إلخ. فالظرف