من تتمة الجزء المفصول وبه ليس فاصلا ثانيا كقولك : أما احسان زيد إلى الفقير فحسن ، ويريد على تقديره أنه لا يصح وقوع جملة يقول خبرا عن الشأن إلّا بتعسف كأن يكون الفعل بتأويل المصدر وإن لم تكن معه في اللفظ أن المصدرية كما قيل في :
تسمع بالمعيدي خير من أن تراه
وهو فرار من السحاب إلى الميزاب وذهب أبو البقاء إلى أن (إِذا) شرطية وقوله تعالى (فَيَقُولُ) جوابها والجملة الشرطية خبر الإنسان ويلزمه حذف الفاء بدون القول وقد قيل إنه ضرورة. وقوله عزوجل (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) عامله معاملة من يبتليه ويختبره بالحاجة والفقر ليرى هل يصبر أم لا (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) بتقدير وأما هو أي الإنسان إذا ما ابتلاه إلخ ليصح التفصيل ويتم التوازن ، وبقية الكلام فيه كما في سابقه. والظاهر أن كلتا الجملتين متضمنة لإنكار قول الإنسان الذي تضمنته وإنكار قوله إذا ضيق عليه رزقه (رَبِّي أَهانَنِ) لدلالته على قصور نظره وسوء فكره حيث حسب أن تضييق الرزق إهانة مع أنه قد يؤدي إلى كرامة الدارين ولعدم كونه إهانة أصلا لم يقل سبحانه في تفسير الابتلاء فأهانه «وقدر عليه رزقه» نظير ما قال سبحانه أولا (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) وإنكار قوله إذا أكرم ربي أكرمني مع قوله تعالى (فَأَكْرَمَهُ) أولا من حيث إنه أثبت إكرام الله تعالى له على خلاف ما أثبت الله تعال وهو قصد أن الله تعالى أعطاه ما أعطاه إكراما له مستحقا ومستوجبا قصدا جاريا على ما كانوا عليه من افتخارهم وزعمهم جلالة أقدارهم. والحاصل أن المنكر كونه عن استحقاق لحسب أو نسب في المفصل ما يدل على أن أصل الإكرام منكر لا كونه عن استحقاق ، وإنكار أصل الإهانة يعضده. ووجهه ما أثبته تعالى من الإكرام أن الله عزوجل أثبت الإكرام بإيتاء المال والتوسعة وهو جعله إكراما كليا مثبتا للزلفى عنده تعالى فأنكر أنه ليس من ذلك الإكرام في شيء ، وجوز أن يكون الإنكار للإهانة فقط يعني أنه إذا تفضل عليه بالخير وأكرم به اعترف بتفضل الله تعالى وإكرامه ، وإذا لم يتفضل عليه سمى ترك التفضل هوانا وليس به قيل ، ويعضده ذكر الإكرام في قوله تعالى (فَأَكْرَمَهُ) وفي الآية مع ما بعد شمة من أسلوب قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) [المعارج : ١٩ ـ ٢١] ولا يخفى أن الوجه هو الأول. وقرأ ابن كثير «أكرمني» و «أهانني» بإثبات الياء فيهما ونافع بإثباتها وصلا وحذفها وقفا وخير في الوجهين أبو عمرو وحذفها باقي السبعة فيهما وصلا ووقفا من حذفها وقفا سكن النون فيه. وقرأ أبو جعفر وعيسى وخالد والحسن بخلاف عنه وابن عامر «فقدّر» بتشديد الدال للمبالغة.
(كَلَّا) ردع للإنسان عن قوليه المحكيين وتكذيب له فيهما لا عن الأخير فقط كما في الوجه الأخير ، وقد نص الحسن على ما قلنا وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : المعنى لم أبتله بالغنى لكرامته عليّ ولم أبتله بالفقر لهوانه عليّ بل ذلك لمحض القضاء والقدر. وقوله سبحانه (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) إلخ انتقال وترق من ذمه بالقبيح من القول إلى الأقبح من الفعل والالتفات إلى الخطاب لتشديد التقريع وتأكيد التشنيع. وقيل : هو بتقدير قل فلا التفات. نعم فيه من الإشارة إلى تنقيصهم ما فيه والجمع باعتبار معنى الإنسان إذ المراد هو الجنس أي بل لكم أفعال وأحوال أشد شرا مما ذكر وأدل على تهالككم على المال حيث يكرمكم الله تعالى بكثرة المال فلا تؤدون ما يلزمكم فيه من إكرام اليتيم بالمبرة به والإحسان إليه. وفي الحديث «أحب البيوت إلى الله تعالى بيت فيه يتيم مكرم». وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو