عمرو «لا يكرمون» بياء الغيبة (وَلا تَحَاضُّونَ) بحذف إحدى التاءين من تتحاضون أي ولا يحض ويحث بعضكم بعضا (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي على إطعامه فالطعام مصدر بمعنى الإطعام كالعطاء بمعنى الإعطاء. وزعم أبو حيان أن الأولى أن يراد به الشيء المطعوم ، ويكون الكلام على حذف مضاف أي على بذل طعام المسكين ، والمراد بالمسكين ما يعم الفقير. وقرأ عبد الله وعلقمة وزيد بن عليّ وعبد الله بن المبارك والشيرزي عن الكسائي كقراءة الجماعة إلّا أنهم ضموا تاء «تحاضون» من المحاضة. وقرأ أبو عمرو ومن سمعت الحسن ومن معه «ولا يحضون» بياء الغيبة ولا ألف بعد الحاء ، وباقي السبعة بتاء الخطاب كذلك وكذا الفعلان بعد والفعل على القراءتين جوز أن يكون متعديا ومفعوله محذوف. فقيل أنفسهم أو أنفسكم ، وقيل أهليهم أو أهليكم ، وقيل أحدا. وجوز وهو الأولى أن يكون منزلا منزلة اللازم للتعميم. (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) أي الميراث وأصله وارث فأبدلت الواو تاء كما في تخمة وتكأة ونحوهما (أَكْلاً لَمًّا) أي ذا لمّ أو هو نفس اللم على المبالغة واللم الجمع ، ومنه قوله النابغة :
ولست بمستبق أخا لا تلمّه |
|
على شعث أي الرجال المهذب |
والمراد به هنا الجمع بين الحلال والحرام وما يحمد وما لا يحمد ، ومنه قول الحطيئة :
إذا كان لما يتبع الذم ربه |
|
فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا |
يعني إنكم تجمعون في أكلكم بين نصيبكم من الميراث ونصيب غيركم. ويروى أنهم كانوا لا يورّثون النساء ولا صغار الأولاد فيأكلون نصيبهم. ويقولون : لا يأخذ الميراث إلّا من يقاتل ويحمي الحوزة هذا وهم يعلمون من شريعة إسماعيل عليهالسلام أنهم يرثون فاندفع ما قيل إن السورة مكية وآية المواريث مدنية ولا يعلم الحل والحرمة إلّا من الشرع ، فإن الحسن والقبح العقليين ليسا مذهبا لنا. وقيل يعني تأكلون ما جمعه الميت الموروث من حلال وحرام عالمين بذلك فتلمون في الأكل بين حلاله وحرامه. وفي الكشاف يجوز أن يذم الوارث الذي ظفر بالمال سهلا مهلا من غير أن يعرق فيه جبينه فيسرف في إنفاقه ويأكله أكلا واسعا جامعا بين ألوان المشتهيات من الأطعمة والأشربة والفواكه ونحوها كما يفعله الورّاث الباطلون ، وتعقب بأنه غير مناسب للسياق. (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) أي كثيرا كما قال ابن عباس وأنشد قول أمية :
إن تغفر اللهم تغفر جما |
|
وأي عبد لك لا ألما |
والمراد أنكم تحبونه مع حرص وشره (كَلَّا) ردع لهم عن ذلك وقوله تعالى (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) إلى آخره استئناف جيء به بطريق الوعيد تعليلا للردع. والدك قال الخليل : كسر الحائط والجبل ونحوها وتكريره للدلالة على الاستيعاب فليس الثاني تأكيد للأول بل ذلك نظير الحال في نحو قولك : جاءوا رجلا رجلا ، وعلمته الحساب بابا بابا أي إذا دكت الأرض دكا متتابعا حتى انكسر وذهب كل ما على وجهها من جبال وأبنية وقصور وغيرها حين زلزلت المرة بعد المرة وصارت هباء منثورا. وقال المبرد : الدك حط المرتفع بالبسط والتسوية ، واندكّ سنام البعير إذا افترش في ظهره ، وناقة دكّاء إذا كانت كذلك ، والمعنى عليه إذا سويت تسوية بعد تسوية ولم يبق على وجهها شيء حتى صارت كالصخرة الملساء ، وأيّا ما كان فهو على ما قيل عبارة عما عرض للأرض عند النفخة الثانية (وَجاءَ رَبُّكَ) قال منذر بن سعيد : معناه ظهر سبحانه للخلق هنالك وليس ذلك بمجيء نقلة وكذلك مجيء الطامة والصاخة. وقيل : الكلام على حذف المضاف للتهويل ، أي وجاء أمر ربك وقضاؤه سبحانه واختار جمع أنه تمثيل لظهور آيات اقتداره تعالى وتبين آثار قدرته