التسليم ، ثم نقل إلى ما يعذب به أو لأنه وضع موضعه كما يوضع العطاء موضع الإعطاء وكذلك الوثاق. وجوز أن يكون المعنى لا يحمل عذاب الإنسان أحد ولا يوثق وثاقه أحد كقوله تعالى (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤ ، الإسراء : ١٥ ، فاطر : ١٨ ، الزمر : ٧] والعذاب عليه جار على المتعارف والنصب على تضمين التعذيب معنى التحميل والأول أنسب بمقام التغليظ على هذا الإنسان المفرط أو أن التمكن والوجه الثاني للقراءة الأولى مطابق لهذا كما لا يخفى ، والمراد من أنه لا يعذب أحد مثل عذابه أنه لا يعذب أحد من جنسه كالعصاة كذلك فلا يلزم كونه أشد عذابا من إبليس ومن في طبقته ، ثم إن الظاهر أن المراد جنس المتصف بما ذكر وقيل : المراد به أمية بن خلف وقيل أبيّ بن خلف وهو خلاف الظاهر وإن قيل إن الآية نزلت فيمن ذكر وأما القول بأن هذا العذاب الموثق إبليس عليه اللعنة فليس بشيء إذ لا يقال له إنسان ، وكون الضمير له وإن لم يسبق له ذكر لا للإنسان المذكور في قوله تعالى (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) إلخ مما لا ينبغي أن يلتفت إليه. وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنه «وثاقه» بكسر الواو وقوله تعالى :
(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) إلخ حكاية لأحوال من اطمأن بذكر الله تعالى وطاعته عزوجل إثر حكاية من اطمأن بالدنيا وسكن إليها. وذكر أن على إرادة القول أي يقول الله تعالى (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ) إلخ. إما بالذات كما كلم سبحانه موسى عليهالسلام أو على لسان الملك واستظهر أن ذل القول عند تمام الحساب. ولينظر التفاوت ما بين ذلك الإنسان وهذه النفس ذاك يقول (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) وهذه يقول الله تعالى لها (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) إلخ وكأنه للإيذان بغاية التباين لم يذكر القول وتعطف الجملة على الجملة السابقة. والنفس قيل بمعنى الذات ووصفت بالاطمئنان بذلك لأنها لترقى بقوتها العاقلة في معارج الأسباب والمسببات إلى المبدأ المؤثر بالذات جلت صفاته وأسماؤه فتضطرب وتقلق قبل الوصول إلى معرفته تعالى ، فإذا وصلت إليه عزوجل اطمأنت واستغنت به سبحانه عن وجودها وسائر شئونها ولم تلتفت إلى ما سواه جل وعلا بالكلية وقيل : هي النفس المؤمنة المطمئنة إلى الحق الواصلة إلى ثلج اليقين وبرودته بحيث لا يخالطها شك ما ولا يمازجها سخونة اضطراب القلب في الحق أصلا وهو وجه حسن والارتباط عليه أن هذه النفس هي المتعظة الذاكرة على خلاف الإنسان الموصوف فيما قبل فإن التذكر على قدر قوة اليقين ، ألا ترى إلى قوله تعالى (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) [الزمر : ٩] وقيل هي الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن يوم القيامة ، أعني النفس المؤمنة اليوم المتوفاة على الإيمان. وأيد بقراءة أبيّ يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة وكأنه لأن الوصفين يعتبر تناسبهما في الأكثر وهي على هذا تقابل السابق وهو المتحسر والمتحزن. وقرأ زيد بن علي «يا أيها» بغير تاء وذكر صاحب البديع أن أيا قد تذكر مع المنادى المؤنث قيل ولذلك وجه من القياس وذلك أنها كما لم تثن ولم تجمع في نداء المثنى والمجموع فكذلك لم تؤنث في نداء المؤنث ، واعتبار النفس هاهنا مذكرة ثم مؤنثة مما لا تلتفت إليه النفس المطمئنة (ارْجِعِي) أي من حيث حوسبت (إِلى رَبِّكِ) أي إلى محل عنايته تعالى وموقف كرامته عزوجل لك أولا وهذا لأن للسعداء قبل الحساب كما يفهم من الأخبار موقفا في المحشر مخصوصا يكرمهم الله تعالى به لا يجدون فيه ما يجده غيرهم في مواقفهم من النصب ، ومنه ينادي الواحد بعد الواحد للحساب فمتى كان هذا القول عند تمام الحساب اقبضي أن يكون المعنى ما ذكر الواحد بعد الواحد للحساب فمتى كان هذا القول عند تمام الحساب اقبضي أن يكون المعنى ما ذكر ويجوز أن يكون المعنى ارجعي بتخلية القلب عن الأعمال والالتفات إليها والاهتمام بأمرها أتقبل أم لا ، أي إلى