والباطنة والتنكير للتكثير ، وقيل للتفخيم على أن المراد بالنفس آدم عليهالسلام والأول أنسب بجواب القسم الآتي ، ومن ذهب إلى ذلك جعله من الاستخدام. وذهب الفراء والزجاج والمبرد وقتادة وغيرهم إلى أن (ما) في المواضع الثلاثة مصدرية أي وبنائها وطحوها وتسويتها. وتعقبه الزمخشري بأنه ليس بالوجه لقوله تعالى (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) وما يؤدي إليه من فساد النظم وذلك على ما في الحواشي لما يلزم من عطف الفعل على الاسم وأنه لا يكون له فاعل لا ظاهر وهو ظاهر ولا مضمر لعدم مرجعه. واعترض بأن الأخير منتقض بالأفعال السابقة أعني (بَناها) و (طَحاها سَوَّاها) على أن دلالة السياق كافية في صحة الإضمار ، وأما الأول ففيه أن عطف الفعل على الاسم ليس بفاسد وإن كان خلاف الظاهر على أنه على ما بعد ما كأنه قيل : ونفس وتسويتها فإلهامها فجورها وتقواها. واعترض هذا بأن الفاء يدل على الترتيب من غير مهلة ، والتسوية قبل نفخ الروح والإلهام بعد البلوغ وأجيب بأن التسوية تعديل الأعضاء والقوى ومنها المفكرة والإلهام عبارة عن بيان كيفية استعمالها في النجدين في هذا المحل وهو غير مفارق عنه منذ سوى نعم يزداد بحسب ازدياد القوى كيفية لا وجودا على أن المهلة في نحوها عرفي وقد يعد متعقبا دون تراخ ثم إنه مشترك الإلزام ولا معنى لقول الطيبي النظم السري يوجب موافقة القرائن فلا يجوز ، ونفس وتسويتها فألهمها الله فهي حاصلة وإنما ذلك بناء على توهم أن قوله تعالى (فَأَلْهَمَها) جملة وبالجملة لا يلوح فساد هذا الوجه. وأبى القاضي عبد الجبار إلّا المصدرية دون الموصولية قال لما يلزم منها تقديم الإقسام بغير الله تعالى على إقسامه سبحانه بنفسه عزوجل. وأجاب عنه الإمام بأن أعظم المحسوسات الشمس فذكرها الله تعالى مع أوصافها الأربعة الدالة على عظمها ثم ذكر سبحانه ذاته المقدسة ووصفها جل وعلا بصفات ثلاث ليحظى العقل بإدراك جلال الله تعالى وعظمته سبحانه كما يليق به جل جلاله ولا ينازعه الحس فكان ذلك طريقا إلى جذب العقل من حضيض عالم المحسوسات إلى بيداء أوج كبريائه جل شأنه ، وجوز أن تكون ما عبارة عن الأمر الذي له بنيت السماء وطحيت الأرض وسويت النفس من الحكم والمصالح التي لا تحصى ، ويكون إسناد الأفعال إليها مجازا ، وفاعل ألهمها يجوز أن يكون ذلك أمر ويكون الإسناد مجازا أيضا وهو كما ترى والفجور والتقوى على ما أخرج عبد بن حميد وغيره عن الضحاك المعصية والطاعة مطلقا قلبيين كانا أو قالبيين وإلهامهما النفس على ما أخرج هو وابن جرير وجماعة عن مجاهد تعريفهما إياها بحيث تميز رشدها من ضلالها ، وروي ذلك عن ابن عباس كما في البحر ، وقريب منه قول ابن زيد ألهمها (فُجُورَها وَتَقْواها) بيّنهما لها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهما نحوه عن قتادة والآية على ذلك نظير قوله تعالى (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد : ١٠] وقدم الفجور على التقوى لأن إلهامه بهذا المعنى من مبادئ تجنبه وهو تخلية والتخلية مقدمة على التحلية وقيل : قدم مراعاة للفواصل وأضيفا إلى ضمير النفس قيل إشارة إلى أن الملهم للنفس فجور وتقوى قد استعدت لهما فهما لها بحكم الاستعداد ، وقيل رعاية للفواصل أيضا. وقوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) جواب القسم على ما أخرجه الجماعة عن قتادة وإليه ذهب الزجاج وغيره ، وحذف اللام كثير لا سيما عند طول الكلام المقتضى للتخفيف أو لسدّه مسدها. وفاعل (زَكَّاها) ضمير من والضمير المنصوب للنفس وكذا في قوله تعالى (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) وتكرير (قَدْ) فيه لإبراز الاعتناء بتحقيق مضمونه والإيذان بتعلق القسم به أصالة ، والتزكية التنمية والتدسية الإخفاء وأصل دسى دسس فأبدل من ثالث التماثلات ياء ثم أبدلت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وأطلق بعضهم فقال : أبدل من ذلك حرف علة كما قالوا في تقضض تقضى ودسس مبالغة في دس بمعنى أخفى قال الشاعر :