ودسست عمرا في التراب فأصبحت |
|
حلائله منه أرامل ضيّعا |
وفي الكشاف : التزكية الإنماء والإعلاء ، والتدسية النقص والإخفاء أي لقد فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من أنمى نفسه وأعلاها بالتقوى علما وعملا ولقد خسر من نقصها وأخفاها بالفجور جهلا وفسوقا.
وجوز أن تفسر التزكية بالتطهير من دنس الهيولى والتدسية بالإخفاء فيه والتلوث به وأيّا ما كان ففي الوعد والوعيد المذكورين مع إقسامه تعالى عليهما بما أقسم به مما يدل على العلم بوجوده تعالى ووجوب ذاته سبحانه وكمال صفاته عزوجل ويذكر عظائم آلائه وجلائل نعمائه جلا وعلا من اللطف بعباده ما لا يخفى. وقوله تعالى (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) استئناف وارد لتقرير مضمون قوله تعالى (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) وجعل الزمخشري قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ) إلخ تابعا لقوله تعالى (فَأَلْهَمَها) إلخ على سبيل الاستطراد وأبى أن يكون جواب القسم وجعل الجواب محذوفا مدلولا عليه بهذا كأنه قيل : ليدمن من الله تعالى على كفار مكة لتكذيبهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحا عليهالسلام ، فقيل : إن ذلك لما يلزم من حذف اللام وأنه لا يليق بالنظم المعجز أن يجعل أدنى الكمالين أعني التزكية لاختصاصها بالقوة العملية المقصودة بالإقسام ويعرض عن أعلاهما أعني التحلية بالعقائد اليقينية التي هي لب الألباب وزبدة ما مخضته الأحقاب ، ولو سلم عدم الاختصاص فهي مقدمة التحلية في البابين وأما حذف المقسم عليه فكثير شائع لا سيما في الكتاب العزيز. وتعقب بأن حذف اللام كثير لا سيما مع الطول وهو أسهل من حذف الجملة بتمامها وقد ذكره في (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون : ١] فما حدا مما بدا وأن التزكية مرادا بها الإنماء لا اختصاص لها وليست مقدمة بل مقصودة بالذات ولو سلم فلا مانع من الاعتناء ببعض المقدمات أحيانا لتوقف المقاصد عليها فتدبر.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال في (فَأَلْهَمَها) ألزمها وأخرجه الديلمي عن أنس مرفوعا وعلى ذلك قال الواحدي وصاحب المطلع الإلهام أن يوقع في القلب التوفيق والخذلان فإذا أوقع سبحانه في قلب عبد شيئا منهما فقد ألزمه سبحانه ذلك الشيء ويزيد ذلك قوة ما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن عمران بن حصين أن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالا : يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقال عليه الصلاة والسلام : «لا بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها)» ولا يقتضي ذلك أن لا يكون لقدرة العبد واختياره مدخل في الفجور والتقوى بالكلية وإن قيل إن ما له إلى خلق الله تعالى إياهما ليقال يأباه حينئذ قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) إلخ حيث جعل فيه العبد فاعل التزكية بالتقوى والتدسية بالفجور لأن الإسناد يقتضي قيام المسند ويكفي فيه المدخلية المذكورة ولا يتوقف صحة الإسناد حقيقة إلى العبد على كون فعله الإيجاد فالاستدلال بهذا الإسناد على كونه متمكنا من اختيار ما شاء من الفجور والتقوى وإيجاده إياه بقدرة مستقلة فيه على خلاف ما يقوله الجماعة ليس بشيء على أن الضمير المستتر في (زَكَّاها) وكذا في (دَسَّاها) لله عزوجل والبارز لمن بتأويل النفس. فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في ذلك يقول الله تعالى قد أفلح من زكى الله تعالى نفسه فهداه وقد خاب من دسى الله تعالى نفسه فأضله. بل أخرج عنه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي أنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم