فو ربي لسوف يجزى الذي |
|
أسلف المرء سيئا أو جميلا |
وكذا مع فصل معمول بين اللام والفعل نحو (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) [آل عمران : ١٥٨] ومع كون الفعل للحال نحو «لا قسم» وقد يمتنعان وذلك مع الفعل المنفي نحو (تَاللهِ تَفْتَؤُا) [يوسف : ٨٥] وقد يجبان وذلك فيما بقي نحو (تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧] وعليه لا يتجه الاعتراض مع أن الممنوع بدون النون في جواب القسم لا في المعطوف عليه كما هنا فإنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ، وإنما ذكرت اللام تأكيدا للقسم وتذكيرا به ، وبالجملة هذا الوجه أقل دغدغة من الوجه السابق ولا يحتاج فيه إلى توجيه جميع اللام مع سوف إذ لم يقل أحد من علماء العربية بأن اللام القسمية مخلصة المضارع للحال كما لا يخفى على من تتبع كتبهم. وظاهر كلام الفاضل الكلنبوي أن كلّا من اللامين موضوع للدلالة على الحال ووجه الجمع على تقدير كونها في الآية قسمية بأنها محمولة على معناها الحقيقي ، وسوف محمولة على تأكيد الحكم ولذا قامت مقام إحدى النونين عند أبي علي الفارسي وقد أطال رحمهالله تعالى الكلام فيما يتعلق بهذا المقام وأتى على غزارة فضله بما يستبعد صدوره من مثله. وقال عصام الدين : الأظهر أن جملة (ما وَدَّعَكَ) حالية أي ما ودعك ربك وما قلاك ، والحال أن الآخرة خير لك من الأولى وأنت تختارها عليها ، ومن حاله كذلك لا يتركه ربه ففيه إرشاد للمؤمنين إلى ما هو ملاك قرب العبد إلى الرب عزوجل وتوبيخ للمشركين بما هم فيه من التزام أمر الدنيا والإعراض عن الآخرة ، وحينئذ معنى قوله سبحانه (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ) أنه سوف يعطيك الآخرة ولا يخفى حينئذ كمال اشتباك الجمل انتهى. وفيه أن دخول اللام عليها مع دخوله على الجملة بعدها وسبقهما بالقسم يبعد الحالية جدا ، وأيضا المعنى ذكره على تقديرها غير ظاهر من الآية وكان الظاهر عليه عندك بدل لك كما لا يخفى عليك واختلف في قوله تعالى (وَلَسَوْفَ) إلخ فقيل : هو عدة كريمة شاملة لما أعطاه الله عزوجل في الدنيا من كمال النفس وعلوم الأولين والآخرين وظهور الأمر وإعلاء الدين بالفتوح الواقعة في عصره صلىاللهعليهوسلم وفي أيام خلفائه عليه الصلاة والسلام وغيرهم من الملوك الإسلامية وفشو الدعوة والإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. ولما ادّخر جل وعلا له عليه الصلاة والسلام في الآخرة من الكرامات التي لا يعلمها إلا هو جل جلاله وعم نواله وقيل عدة بما أعطاه سبحانه وتعالى في الدنيا من فتح مكة وغيره والجمهور على أنه عدة أخروية فأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال هي الشفاعة ، وروي نحوه عن بعض أهل البيت رضي الله تعالى عنهم. أخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح قال : قلت لأبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين على جدهم وعليهم الصلاة والسلام : أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي؟ قال : أي والله حدثني محمد بن الحنفية عن عليّ كرم الله تعالى وجهه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أشفع لأمتي حتى ينادي ربي أرضيت يا محمد؟ فأقول : نعم يا رب رضيت» ثم أقبل عليّ فقال إنكم تقولون يا معشر أهل العراق إن أرجى آية في كتاب الله تعالى (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [الزمر : ٣٥] قلت إنا لنقول ذلك قال فكلنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) وقال : هي الشفاعة .. وقيل : هي أعم من الشفاعة وغيرها ويرشد إليه ما أخرجه العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحا وعليها كساء من جلد الإبل فلما نظر إليها قال : «يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا بنعيم الآخرة غدا» فأنزل الله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى). وقال أبو حيان : الأولى العموم لما في الدنيا والآخرة على اختلاف