أنواعه والخبر المذكور لو سلم صحته لا يأبى ذلك. نعم عطايا الآخرة أعظم من عطايا الدنيا بكثير فقد روى الحاكم وصححه وجماعة عن ابن عباس أنه قال أعطاه الله تعالى في الجنة ألف قصر من لؤلؤ ترابه المسك في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم. وأخرج ابن جرير عنه أنه قال في الآية من رضا محمد صلىاللهعليهوسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار. وأخرج البيهقي ففي شعب الإيمان عنه أنه قال : رضاه صلىاللهعليهوسلم أن يدخل أمته كلهم الجنة. وفي رواية الخطيب في تلخيص المتشابه من وجه آخر عنه لا يرضى محمد صلىاللهعليهوسلم وأحد من أمته في النار وهذا ما تقتضيه شفقته العظيمة عليه الصلاة والسلام على أمته فقد كان صلىاللهعليهوسلم حريصا عليهم رءوفا بهم مهتما بأمرهم. وقد أخرج مسلم كما في الدر المنثور عن ابن عمر أنه صلىاللهعليهوسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم عليهالسلام (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) [إبراهيم : ٣٦] وقوله تعالى في عيسى (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) [المائدة : ١١٨] الآية فرفع عليه الصلاة والسلام يديه وقال : «اللهم أمتي أمتي» وبكى فقال الله تعالى : يا جبريل اذهب إلى محمد صلىاللهعليهوسلم فقل له إنا سنرضيك في أمتك يخفى ولا نسوؤك. وفي إعادة اسم الرب مع إضافته إلى ضميره عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى أيضا من اللطف به صلىاللهعليهوسلم.
وقوله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) تعديل لما أفاض صلىاللهعليهوسلم من أول أمره إلى وقت النزول من فنون النعماء العظام ليستشهد بالخاص الموجود على المترقب الموعود فيزداد قلبه الشريف وصدره الرحيب طمأنينة وسرورا وانشراحا وحبورا ولذا فصلت الجملة. والهمزة لإنكار النفي وتقرير النفي على أبلغ وجه كأنه قيل قد وجدك إلخ. ووجدته على ما قال الرضي بمعنى أصبته على صفة ويراد بالوجود فيه العلم مجازا بعلاقة اللزوم. وفي مفردات الراغب لوجود اضرب وجود بالحواس الظاهرة ووجود بالقوى الباطنة ووجود بالعقل وما نسب إلى الله تعالى من الوجود فبمعنى العلم المجرد إذ كان الله تعالى منزها عن الوصف بالجوارح والآلات ، وقد فسره بعضهم هنا بالعلم وجعل مفعوله الأول الضمير ومفعوله الثاني (يَتِيماً) وبعضهم بالمصادفة وجعله متعديا لواحد ف (يَتِيماً) حالا وأنت تعلم أن المصادفة لا تصح في حقه تعالى لأنها ملاقاة ما لم يكن في علمه سبحانه وتقديره جل شأنه ، فلا بد من التجوز بها عن تعلق علمه عزوجل بذلك. واليتم انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه ، والإيواء ضم الشيء إلى آخر يقال : آوى إليه فلانا أي ضمّه إلى نفسه أي ألم يعلمك طفلا لا أبا لك فضمك إلى من قام بأمرك. روي أن عبد المطلب بعث ابنه عبد الله أبا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمتار تمرا من يثرب فتوفي ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جنين قد أتت عليه ستة أشهر فلما وضعته كان في حجر جده مع أمه فماتت وهو عليه الصلاة والسلام ابن ست سنين ، ولما بلغ عليه الصلاة والسلام ثماني سنين مات جده فكفله عمه الشفيق الشقيق أبو طالب بوصية من أبيه عبد المطلب وأحسن تربيته صلىاللهعليهوسلم. وفي الكشاف ماتت أمه عليه الصلاة السلام وهو ابن ثماني سنين فكفله عمه وكان شديد الاعتناء بأمره إلى أن بعثه الله تعالى وكان يرى منه صلىاللهعليهوسلم في صغره ما لم ير من صغير روي أنه قال يوما لأخيه العباس : ألا أخبرك عن محمد صلىاللهعليهوسلم بما رأيت منه. فقال : بلى. قال : إني ضممته إليّ فكنت لا أفارقه ساعة من ليل ولا نهار ولم ائتمن عليه أحدا حتى أني كنت أنومه في فراشي ، فأمرته ليلة أن يخلع ثيابه وينام معي فرأيت الكراهية في وجهه وكره أن يخالفني فقال : يا عماه اصرف وجهك عني حتى أخلع ثيابي إني لا أحب أن تنظر إلى جسدي ، فتعجبت من قوله وصرفت بصري حتى دخل الفراش فلما دخلت معه الفراش إذا بيني وبينه ثوب والله ما أدخلته في فراشي فإذا هو في غاية اللين وطيب الراحة كأنه غمس في المسك ، فجهدت لأنظر إلى جسده فما كنت أرى شيئا وكثيرا ما