في الحكم. وقال بعض المحققين : الانقطاع لأنه لم يقصد إخراجهم من الحكم وهو مدار الاتصال والانقطاع كما صرح به في الأصول لا الخروج والدخول فلا تغفل. وحمل غير واحد هؤلاء المؤمنين على الصالحين من الهرمى كأنه قيل : لكن الذين كانوا صالحين من الهرمى لهم ثواب دائم غير منقطع أو غير ممنون به عليهم لصبرهم على ما ابتلوا به من الهرم والشيخوخة المانعين إياهم عن النهوض لأداء وظائفهم من العبادة. أخرج أحمد والبخاري وابن حبان عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما». وفي رواية عنه ثم قرأ صلىاللهعليهوسلم (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أخرج الطبراني عن شداد بن أوس قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الله تبارك وتعالى يقول إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه كيوم ولدته أمه من الخطايا ويقول الرب عزوجل إني أنا قيدت عبدي هذا وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك». وهو صحيح. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية : إذا كبر العبد وضعف عن العمل كتب له أجر ما كان يعمل في شبيبته ، ومن الناس من حملهم على قراء القرآن وجعل الاستثناء متصلا مخرجا لهم عن حكم الرد إلى أرذل العمر بناء على ما أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن الحبر قال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر وذلك قوله تعالى (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) قال : إلا الذين قرءوا القرآن. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه وفيه أنه لا ينزل تلك المنزلة يعني الهرم كيلا يعلم من بعد علم شيئا أحد من قراء القرآن ولا يخفى أن تخصيص (الَّذِينَ آمَنُوا) بما خصص به خلاف الظاهر. وفي كون أحد من القراء لا يرد إلى أرذل العمر توقف فليتتبع.
والخطاب في قوله تعالى (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) عند الجمهور للإنسان على طريقة الالتفات لتشديد التوبيخ والتبكيت ، والفاء لتفريع التوبيخ عن البيان السابق ، والباء للسببية. والمراد بالدين الجزاء بعد البعث أي فما يجعلك كاذبا بسبب الجزاء وإنكاره بعد هذا الدليل ، والمعنى أن خلق الإنسان من نطفة وتقويمه على وجه يبهر الأذهان ويضيق عنه نطاق البيان أو هذا مع تحويله من حال إلى حال من أوضح الدلائل على قدرة الله عزوجل على البعث والجزاء فأي شيء يضطرك أيها الإنسان بعد هذا الدليل القاطع إلى أن تكون كاذبا بسبب تكذيبه ، فإن كل مكذب بالحق فهو كاذب. وقال قتادة والأخفش والفراء : الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم أي فأي شيء يكذبك بالجزاء بعد ظهور دليله ، وهو من باب الإلهاب والتعريض بالمكذبين أي أنه لا يكذبك شيء ما بعد هذا البيان بالجزاء لا كهؤلاء الذين لا يبالون بآيات الله تعالى ولا يرفعون بها رأسا فالاستفهام لنفي التكذيب وإفادة أنه عليه الصلاة والسلام لاستمرار الدلائل وتعاضدها مستمر على ما هو عليه من عدم التكذيب. وفيه من اللطف ما ليس في الأول. وجوز على هذا الوجه كون الباء بمعنى في وكونها للسببية وتقدير مضاف عليهما والمعنى أي شيء ينسبك إلى الكذب في إخبارك بالجزاء أو بسبب إخبارك به بعد هذا الدليل ، وكونها صلة التكذيب والدين بمعناه والمعنى أي شيء يجعلك مكذبا بدين الإسلام ، وروي هذا عن مجاهد وقتادة والاستفهام على ما سمعت وجوز كون الدين بمعناه على الوجه الأول أيضا وبعض من ذهب إلى كون الخطاب لسيد المخاطبين صلىاللهعليهوسلم جعل ما بمعنى من لأن المعنى عليه أظهر ، وضعف بأنه خلاف المعروف في ما فلا ينبغي ارتكابه مع صحة بقائها على المعروف فيها. (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) أي أليس الذي فعل ما ذكر بأحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا حتى يتوهم عدم الإعادة والجزاء وحيث استحال عدم كونه سبحانه