عليه وفيه دلالة على أنهم يقصدونه فلا يتأتى منهم ، وعن ابن مسعود تعقم أصلابهم أي ترد عظاما بلا مفاصل لا تنثني عند الرفع والخفض وتقدم في حديث البخاري ومن معه ما سمعت وفي حديث تصير أصلاب المنافقين والكفار كصياصي البقر عظما واحدا. والظاهر أن الداعي الله تعالى أو الملك وقيل هو ما يرونه من سجود المؤمنين واستدل أبو مسلم بهذه الآية على أن يوم الكشف في الدنيا قال لأنه تعالى قال ويدعون إلى السجود ويوم القيامة ليس فيه تعبد ولا تكليف فيراد منه إما آخر أيام الشخص في دنياه حين يرى الملائكة وإما وقت المرض والهرم والمعجزة ويدفع بما أشرنا إليه (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) حال من مرفوع (يُدْعَوْنَ) على أن أبصارهم مرتفع شديدة (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) في الدنيا والإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقرير ، أو لأن المراد به الصلوات المكتوبة كما قال النخعي والشعبي أو جميع الطاعات كما قيل. والدعوة دعوة التكليف وقال ابن عباس وابن جبير : كانوا يسمعون الأذان والنداء للصلاة فلا يجيبون (وَهُمْ سالِمُونَ) متمكنون منه أقوى تمكن أي فلا يجيبون إليه ويأبونه وترك ذكر هذا ثقة بظهوره (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) أي إذا كان حالهم ما سمعت فكل من يكذب بالقرآن إليّ واستكفنيه فإن في ما يفرغ بالك ويخلي همك وهو من بليغ الكلام يفيد أن المتكلم واثق بأنه يتمكن من الوفاء بأقصى ما يدور حول أمنية المخاطب وبما يزيد عليه ، وقد حققه جار الله بما حاصله أن من استكفى أحدا ترك الأمر إليه وإلا كان استعانة لا استكفاء فأقيم الرادف أعني التخلية وإن يذره وإياه مقام الاستكفاء مبالغة وإنباء عن الكفاية البالغة كيف وهذا الكافي طلب الاستكفاء وقيل : قوله (ذرني) وأبرز ترك الاستكفاء في صورة المنع مبالغة على مبالغة فلو لم يكن شديد الوثوق بتمكنه من الوفاء أقصى التمكن وفوق ما يحوم حول خاطر المستكفي لما كان للطلب على هذا الوجه إلّا بلغ وجه و (مَنْ) في موضع نصب إما عطفا على المنصوب في (ذرني) أو على أنه مفعول معه وقوله تعالى (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) استئناف مسوق لبيان كيفية التعذيب المستفاد من الكلام السابق إجمالا والضمير لمن والجمع باعتبار معناها كما أن الإفراد في (يُكَذِّبُ) باعتبار لفظها أي سنستنزلهم إلى العذاب درجة فدرجة بالإمهال وإدامة الصحة وازدياد النعمة (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) أنه استدراج بل يزعمون أن ذلك إيثار لهم وتفضل على المؤمنين مع أنه سبب لهلاكهم (وَأُمْلِي لَهُمْ) وأمهلهم ليزدادوا إثما وهم يزعمون أن ذلك لإرادة الخير بهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) لا يدفع بشيء وتسمية ذلك كيدا وهو ضرب من الاحتيال لكونه في صورته حيث إنه سبحانه يفعل معهم ما هو نفع لهم ظاهرا ومراده عزوجل به الضرر لما علم من خبث جبلتهم وتماديهم في الكفر والكفران (أَمْ تَسْأَلُهُمْ) على الإبلاغ والإرشاد (أَجْراً) دنيويا (فَهُمْ) لأجل ذلك (مِنْ مَغْرَمٍ) أي غرامة مالية (مُثْقَلُونَ) مكلفون حملا ثقيلا فيعرضون عنك وهذه الجملة على ما قاله ابن الشيخ معطوفة على قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أي المغيبات أو للوح وأطلق (الْغَيْبُ) عليه مجازا لأنه محل لكتابة المغيبات أو لظهور صورها بناء على الخلاف المعروف فيه والقرينة (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) ما يحكمون به ويستغنون بذلك عن علمك (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم. روي أنه صلىاللهعليهوسلم أراد أن يدعو على ثقيف لما آذوه حين عرض عليه الصلاة والسلام نفسه على القبائل بمكة فنزلت وقيل أراد عليه الصلاة والسلام أن يدعو على الذين انهزموا بأحد حين اشتد بالمسلمين الأمر فنزلت وعليه تكون الآية مدنية (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) هو يونس عليهالسلام كما أنه المراد من ذي النون إلّا أنه فرق بين ذي وصاحب بأن «ذي» أبلغ من صاحب قال ابن حجر لاقتضائها تعظيم المضاف إليها والموصوف بها بخلافه ومن ثم قال سبحانه في معرض مدح يونس عليهالسلام (وَذَا النُّونِ) [الأنبياء : ٨٧]