والنهي عن اتباعه (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) ذا النون لكونه جعل فاتحة سورة أفخم وأشرف من لفظ الحوت ونقل مثل ذلك السرميني عن العلامة السهيلي وفرق بعضهم بغير ذلك مما هو مذكور في حواشينا على رسالة ابن عصام في علم البيان (إِذْ نادى) في بطن الحوت (وَهُوَ مَكْظُومٌ) أي مملوء غيظا على قومه إذ لم يؤمنوا لما دعاهم إلى الإيمان وهو من كظم السقاء إذا ملأه ومن استعماله بهذا المعنى قول ذي الرمة :
وأنت من حب ميّ مضمر حزنا |
|
عاني الفؤاد قريح القلب مكظوم |
والجملة حال من ضمير (نادى) وعليها يدور النهي لا على النداء فإنه أمر مستحسن ولذا لم يذكر المنادى و (إِذْ) منصوب بمضاف محذوف أي لا يكن حالك كحاله وقت ندائه أي لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر والمغاضبة فتبتلي بنحو بلائه عليهالسلام (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وهو توفيقه للتوبة وقبولها منه وقرئ «رحمة» وتذكير الفعل على القراءتين لأن الفاعل مؤنث مجازي مع الفصل بالضمير. وقرأ عبد الله وابن عباس «تداركته» بتاء التأنيث وقرأ ابن هرمز والحسن والأعمش «تدّاركه» بتشديد الدال وأصله تتداركه فأبدل التاء دالا وأدغمت الدال في الدال والمراد حكاية الحال الماضية على معنى لو لا أن كان يقال فيه تتداركه (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) بالأرض الخالية من الأشجار أي في الدنيا ، وقيل بعراء القيامة لقوله تعالى (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات : ١٤٣ ، ١٤٤] ولا يخفى بعده (وَهُوَ مَذْمُومٌ) في موضع الحال من مرفوع نبذ وعليها يعتمد جواب (لَوْ لا) لأن المقصود امتناع نبذه مذموما وإلا فقد حصل النبذ فدل على أن حاله كانت على خلاف الذم والغرض أن حالة النبذ والانتهاء كانت مخالفة لحالة الإلامة والابتداء لقوله سبحانه (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) [الصافات : ١٤٢] وفي الإرشاد أن الجملة الشرطية استئناف وارد لبيان كون المنهي عنه أمرا محذورا مستتبعا للغائلة وقوله سبحانه (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) عطف على مقدر أي فتداركته نعمة من ربه (فَاجْتَباهُ) أي اصطفاه بأن رد عزوجل إليه الوحي وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون وقيل استنبأه إن صح أنه لم يكن نبيا قبل هذه الواقعة وإنما كان رسولا لبعض المرسلين في أرض الشام (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) من الكاملين في الصلاح بأن عصمه سبحانه من أن يفعل فعلا يكون تركه أولى وظاهر كلام بعضهم أن الجعل من الصالحين تفسير للاجتباء قيل وفسر الصالحين بالأنبياء وهو مبني على أنه لم يكن قبل الواقعة نبيا ، واستدل بالآية على خلق الأفعال لأن جعله صالحا بجعل صلاحه وخلقه فيه وهو من جملة الأفعال ولا قائل بالفرق والمعتزلة يؤولون ذلك تارة بالإخبار بصلاحه وأخرى باللطف به حتى صلح على أنه يحتمل أن يراد بالصالحين الأنبياء كما قيل فلا تفيد الآية أكثر من كون النبوة مجعولة وهو مما اتفق عليه الفريقان فتدبر (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) إن هي المخففة واللام دليلها لأنها لا تدخل بعد النافية ولذا تسمى الفارقة على عرف عند النحاة والمعنى أنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك شزرا بحيث يكادون يزلون قدمك فيرمونك من قولهم نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني أو يكاد يأكلني أي لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل لفعله وجعل مبالغة في عداوتهم حتى كأنها سرت من القلب والجوارح إلى النظر فعاد يعمل الجوارح وأنشدوا قول الشاعر :
يتقارضون إذا التقوا في موطن |
|
نظرا يزل مواطئ الأقدام |
أو أنهم يكادون يصيبونك بالعين إذ روي أنه كان في بني أسد عيانون فأراد بعضهم أن يعين رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت. وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلاثة لا يأكل ثم يرفع جانب خبائه فيقول لم