عن جابر بن سمرة وعن عبد الله بن جابر كذلك ما يدل على ما ذكر أيضا بل الأخبار الصحيحة الدالة عليه كثيرة ، وبالجملة الأقوال فيها مختلفة جدا إلا أن الأكثرين على أنها في العشر الأواخر لكثرة الأحاديث الصحيحة في ذلك ، وأكثرهم على أنها في أوتارها لذلك أيضا وكثير منهم ذهب إلى أنها الليلة السابعة من تلك الأوتار. وصح من رواية الإمام أحمد ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن حبان وغيرهم أن زر بن حبيش سأل أبيّ بن كعب عنها فحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين فقال له : بم تقول ذلك يا أبا المنذر؟ فقال : بالآية والعلامة التي قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إنها تصبح من ذلك اليوم تطلع الشمس ليس لها شعاع» وبعض الأخبار عن ابن عباس ظاهرة في ذلك ، وفي بعض الاستئناس له بما يدل على جلالة شأن السبعة التي قالوا فيها إنها عدد تام من كون السماوات سبعا والأرضين سبعا والأيام سبعا والجمار سبعا والطواف بالبيت سبعا والسجود على سبع إلى غير ذلك مما ذكره لما علمت من الأخبار الصحيحة المتضافرة وهو زمان ضعف البدن وفيه يزيد أجر العمل ووقت قوة الاستعداد للتجليات لمزيد التصفية وأنها في الأوتار أرجى للأحاديث أيضا مع أن الله تعالى وتر يحب الوتر. وقال ابن حجر الهيتمي : اختار جمع أنها لا تلزم ليلة بعينها من العشر الأواخر بل تنتقل في لياليه فعاما أو أعواما تكون وترا إحدى أو ثلاثا أو غيرهما ، وعاما أو أعواما تكون شفعا اثنتين أو أربعا أو غيرهما قالوا : ولا تجتمع الأحاديث المتعارضة فيها إلّا بذلك. وكلام الشافعي رضي الله تعالى عنه في الجمع بين الأحاديث يقتضيه انتهى. ولا يخفى أن الجمع بذلك بين الأحاديث المتعارضة فيها مطلقا مما لا يتسنى وإنما يتسنى الجمع بذلك بين الأحاديث المتعارضة فيها بالنظر إلى العشر ، وقيل في الجمع مطلقا أنها تنتقل وما صح من التعيين في الجملة أو على التحقيق محمول على ليلة قدر في شهر رمضان مخصوص بأن يكون قد علم صلىاللهعليهوسلم أنها في أول شهر رمضان فرض ليلة كذا. فقال عليه الصلاة والسلام : «هي ليلة كذا». أي في هذا الشهر رمضان المخصوص ، وعلم عليه الصلاة والسلام أنها في شهر رمضان بعده ليلة كذا غير تلك الليلة التي ذكرها قبل فقال صلىاللهعليهوسلم : «هي ليلة كذا» وعلم صلىاللهعليهوسلم أنها في آخره في العشر الأخير منه فقال : «هي في العشر الأخير» أي من هذا الشهر المخصوص وهكذا وهو كما ترى. وعلى القول بانتقالها ادعى بعضهم أنه إذا كان أول الشهر ليلة كذا فهي الليلة السابعة والعشرون ، وإن كانت ليلة كذا فهي الليلة الحادية والعشرون إلى آخر ما قال. وقد ذكرناه مع نظمه في الطراز المذهب وليس في ذلك ما يقوم حجة على الغير.
وفي بعض الأخبار ذكر علامات لها ففي حديث الإمام أحمد والبيهقي وغيرهما عن عبادة بن الصامت من أماراتها أنها ليلة بلجة صافية ساكنة لا حارة ولا باردة كأن فيها قمرا ساطعا ، لا يرمى فيها بنجم حتى الصباح. وأخرج نحوا منه ابن جرير في تهذيبه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله مرفوعا وحمل ذلك إن صح على ليلة قدر من شهر رمضان مخصوص كالمتعين لعدم اطراده ولا أغلبيته فيما يظهر والحكمة في إخفائها أن يجتهد من يطلبها في العبادة في غيرها ليصادفها كأن يحيي ليالي شهر رمضان كلها كما كان دأب السلف ، وللإمام في هذا المقام كلام يجلّ مثله عن التكلم بمثله ولعمري لقد سها فيه سهوا بينا وأتى فيه بما يوشك أن يدل على جهله ومعنى ليلة القدر ليلة التقدير وسميت بذلك لما روي عن ابن عباس وغيره أنه يقدر فيها ويقضي ما يكون في تلك السنة من مطر ورزق وإحياء وإماتة إلى السنة القابلة ، والمراد إظهار تقديره تعالى ذلك للملائكة عليهمالسلام المأمورين بالحوادث الكونية وإلّا فتقديره تعالى جميع الأشياء أزلي قبل خلق السماوات والأرض لكن قال بعض الأجلّة كون التقدير في هذه الليلة يشكل عليه قول كثير أنه ليلة النصف من شعبان