مشهودة يشهدها الخاص والعام من ذكر وأنثى وصغير وكبير بصير وضرري ، وتصل بركتها إلى الأحياء والأموات وليلة القدر غير معينة فلا ينتفع بها إلّا قليل إلى غير ذلك. وأجاب هؤلاء عن الآية بأنه لما أريد فيها أنها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر كما قال قتادة وغيره فليرد أيضا أنها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة جمعة ، ويدل للأمرين أن أكثر أسباب النزول السابقة تدل على أن المراد بالشهور شهور من تقدمنا وهي ليس فيها ليلة قدر ولا ليلة جمعة. وعن سائر المستندات بأن بعضها معارض وبعضها لا يدل على أكثر من فضلها وهو ما لم ينكره أحد والأولون أجابوا عن مستنداتهم بنحو ما أجابوا وللتعارض قال أحمد بن الحسين بن يعقوب بن قاسم المقري من الحنابلة : إن القولين في المسألة قولان شائعان بين الأصحاب ولكل دلائل تدل على صوابيته فلا ينبغي لأحد أن يطلق الخطأ على قائل كل منهما ، وأنت بعد التأمل في أدلة الطرفين والوقوف على أحوالها يتعين عندك أفضلية ليلة القدر وتعين ليلة الجمعة ، وهاهنا قول متوسط بين القولين حكى القاضي أبو يعلى أن أبا الحسن التميمي من الحنابلة أيضا كان يقول : ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن أفضل من ليلة الجمعة لما حصل فيها من الخير الكثير الذي لم يحصل في غيرها ، فأما أمثالها من ليالي القدر فليلة الجمعة أفضل منها ، وقيل نظيره في ليلة المعراج مع ليلة الجمعة ونحوها. ثم إن ظاهر كلام بعض الحنفية كصاحب الجوهرة أن ليلة النحر أفضل من ليلة القدر وسائر ليالي السنة ، ويرد عليه ظاهر الآية أيضا ولعله يجيب بنحو ما سبق آنفا. ونقل الطحاوي عليه الرحمة في حواشي المختار عن بعض الشافعية أن أفضل الليالي ليلة مولده عليه الصلاة والسلام ثم ليلة القدر ثم ليلة الإسراء والمعراج ثم ليلة عرفة ثم ليلة الجمعة ثم ليلة النصف من شعبان ثم ليلة العيد وأنا لا أرى أن له ما يعول عليه في ذلك والله تعالى أعلم وما أشير إليه من كونها من خصائص هذه الأمة هو الذي يقتضيه أكثر الأخبار الواردة في سبب النزول وصرح به الهيتمي وغيره. وقال القسطلاني : إنه معترض بحديث أبي ذر عند النسائي حيث قال فيه : يا رسول الله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت؟ قال : «بل هي باقية». ثم ذكر أن عمدة القائلين بذلك الخبر الذي قدمناه في سبب النزول من رؤيته صلىاللهعليهوسلم تقاصر أعمار أمته عن أعمار الأمم وتعقبه بقوله : هذا محتمل للتأويل فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان ابن كثير في تفسيره وابن حجر في فتح الباري انتهى. والحق الأول والصراحة في حيّز المنع. وقد أخرج الديلمي عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله تعالى وهب لأمتي ليلة القدر لم يعطها من كان قبلهم». فتأمل ولا تغفل.
وقوله تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) استئناف مبين لمناط فضلها على تلك المدة المديدة فضمير فيها لليلة وزعم بعضهم أن الجملة صفة لألف شهر والضمير لها وليس بشيء ، وجوّز بعضهم كون الضمير للملائكة على أن (الرُّوحُ) مبتدأ لا معطوف على (الْمَلائِكَةُ) و (فِيها) خبره لا متعلق ب (تَنَزَّلُ) والجملة حال من (الْمَلائِكَةُ) وهو خلاف الظاهر. والروح عند الجمهور هو جبريل عليهالسلام ، وخص بالذكر لزيادة شرفه مع أنه النازل بالذكر. وقيل ملك عظيم لو التقم السماوات والأرض كان ذلك له لقمة واحدة ، وذكر في التيسير من وصفه ما يبهر العقول والله تعالى أعلم بصحة الخبر. وقال كعب ومقاتل : الروح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلّا تلك الليلة كالزهاد الذين لا نراهم إلّا يوم العيد أو الجمعة. وقيل : حفظة على الملائكة كالملائكة الحفظة علينا. وقيل : خلق من خلق الله تعالى يأكلون ويلبسون ليسوا من الملائكة ولا من الإنس ويخلق ما لا تعلمون وما يعلم جنود ربك إلا هو ولعلهم على ما قيل خدم أهل الجنة.