الصلاة والسلام أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله تعالى ليلة القدر وجعلها خيرا من ألف شهر لسائر الأمم وذكره الإمام مالك في الموطأ وقد سمعت ما يدل على أن الألف إشارة إلى ملك بني أمية وكان على ما قال القاسم بن الفضل ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص يوم على ما قيل ثمانين سنة وهي ألف شهر تقريبا لأنها ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر ، ولا يعكر على ذلك ملكهم في جزيرة الأندلس بعد لأنه ملك يسير في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب ولذا لم يعد من ملك منهم هناك من خلفائهم. وقالوا بانقراضهم بهلاك مروان الحمار. وطعن القاضي عبد الجبار في كون الآية إشارة لما ذكر بأن أيام بني أمية كانت مذمومة أي باعتبار الغالب فيبعد أن يقال في شأن تلك الليلة إنها خير من ألف شهر مذمومة :
ألم تر أن السيف ينقص قدره |
|
إذا قيل إن السيف خير من العصا |
وأجيب بأن تلك الأيام كانت عظيمة بحسب السعادات الدنيوية فلا يبعد أن يقول الله تعالى : أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك في السعادات الدنيوية فلا تبقى فائدة ، واختلف في أن تلك الليلة تستتبع يومها أم لا. فقال الشعبي : نعم يومها مثلها ، وقيل لعل الوجه فيه أن ذكر الليالي يستتبع الأيام ومنه إذا نذر اعتكاف ليلتين لزمتاه بيوميهما والكثير لا لكن قيل يسن الاجتهاد في يومها كما يسن فيها. ولذا جاء في وصفها أن الشمس تطلع صبيحتها وليس لها شعاع كما تقدم أي لعظم أنوار الملائكة الصاعدين والنازلين فيها فإنه لا فائدة فيه سوى معرفة يومها ولا فائدة فيها لو لم يسن الاجتهاد فيه. ومنع بأنه يجوز أن تكون الفائدة معرفتها نفسها ليجتهد فيها من قابل بناء على أنها لا تنتقل ، وظاهر الآية أنها أفضل من ليلة الجمعة والمسألة خلافية وأكثر الأئمة على أنها أفضل منها للآية ، ولأن الله تعالى أنزل فيها القرآن وهو هو ولم ينزله في غيرها ، ولأنه سبحانه أمر بطلبها. فعن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٧] ليلة القدر ولأنه عزوجل جعلها ليلة الفرق والحكم فقال جل شأنه (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان : ٤] وسماها جل وعلا ليلة القدر أي التقدير ولما روي عن كعب أنه قال : إن الله تعالى اختار الساعات فاختار ساعات أوقات الصلاة ، واختار الأيام فاختار يوم الجمعة ، واختار الشهور فاختار شهر رمضان ، واختار الليالي فاختار ليلة القدر فهي أفضل ليلة في أفضل شهر ، ولأنه صلىاللهعليهوسلم حثّ على العمل فيها فقد صح : «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». وفي رواية «وما تأخر» ونهي عليه الصلاة والسلام أن يخص ليلة الجمعة بقيام ويومها بصيام ولأنه سبحانه وتعالى أخفاها ولم يعينها كما أخفى سبحانه أعظم أسمائه عزوجل ، وكما أخفى جل شأنه أفضل الصلوات وهي الصلاة الوسطى إلى غير ذلك. وذهب أكثر الحنابلة كأبي الحسن الجزري وعبد الله بن بطة وأبي حفص البرمكي وغيرهم إلى أن ليلة الجمعة أفضل لما أخرج مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يغفر الله تعالى ليلة الجمعة لأهل الإسلام أجمعين ، وهذه فضيلة لم تجىء لغيرها». ونحوه ما روي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من ليلة جمعة إلّا وينظر الله تعالى إلى خلقه ثلاث مرات فيغفر لمن لا يشرك بالله تعالى شيئا ولأنه روى ابن بشكوال في كتابه القربة إلى رب العالمين بسنده إلى عمر رضي الله تعالى عنه أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أكثروا الصلاة عليّ في الليلة الغرّاء واليوم الأزهر ليلة الجمعة ويوم الجمعة» والغرة من الشيء خياره ولأنه قد روى كثيرون منهم الإمام أحمد أن يومها سيد الأيام وأعظمها وأعظم عند الله تعالى من يوم الفطر ويوم الأضحى ، وصحح ابن حبان خبر : «لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة». فهي لذلك سيدة الليالي وأعظمها وأفضلها ولأنها معينة