الضمير إما مذكورا وإما مقدرا ليس بحجة على جار الله ، والتوفيق بأن ذلك إذا لم يقصد التعظيم ليس بشيء لأنه لا بد له من نكتة سواء كانت التعظيم أو غيره. واستظهر أبو حيان أنه استئناف وإن خلق الرحمن عام للسماوات وغيرها والخطاب لكل أحد ممن يصلح للخطاب. وجوز أن يكون لسيد المخاطبين صلىاللهعليهوسلم ولعل الأول أولى ومن لتأكيد النفي أي ما ترى شيئا (مِنْ تَفاوُتٍ) أي اختلاف وعدم تناسب كما قال قتادة وغيره من الفوت فإن كلا من المتفاوتين يفوت منه بعض ما في الآخر ، وفسر بعضهم التفاوت بتجاوز الشيء الحد الذي يجب له زيادة أو نقصا وهو المعنى بالاختلاف وعلى ذلك قول بعض الأدباء :
تناسبت الأعضاء فيه فلا ترى |
|
بهن اختلافا بل أتين على قدر |
وقال السدي : أي من عيب وإليه يرجع قول من قال أي من تفاوت يورث نقصا وقال عطاء بن يسار : أي من عدم استواء ، وقيل أي من اضطراب ، وقيل أي من اعوجاج ، وقيل أي من تناقض. ومآل الكل ما ذكرنا ومن الغريب ما قاله شيخ الطائفة الكشفية في زماننا من أن بين الأشياء جميعها ربطا وهو نوع من التجاذب لا يفوت يسببه بعضها عن بعض ، وحمل الآية على ذلك وإلى نحو هذا ذهب الفلاسفة اليوم فزعموا أن بين الأجرام علويها وسفليها تجاذبا على مقادير مخصوصة به حفظت أوضاعها وارتبط بعضها ببعض ، لكن ذهب بعضهم إلى أن ما به التجاذب والارتباط يضعف قليلا قليلا على وجه لا يظهر له أثر إلا في مدد طويلة جدا. واستشعروا من ذلك إلى أنه لا بد من خروج هذا العالم المشاهد عن هذا النظام المحسوس فيحصل التصادم ونحوه بين الأجرام وقالوا إن كان قيامة فهو ذاك ولا يخفى حال ما قاله وما قالوه وإن الآية على ما سمعت بمعزل عن ذلك. وقرأ عبد الله وعلقمة والأسود وابن جبير وطلحة والأعمش «من تفوّت» بشد الواو مصدر تفوت ، وحكى أبو زيد عن العرب «في تفاوت» فتح الواو وضمها وكسرها والفتح والكسر شاذان كما في البحر. وقوله تعالى (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) متعلق بما قبله على معنى التسبب أي عن الإخبار بذلك فإنه سبب للأمر بالرجوع دفعا لما يتوهم من الشبهة ، فهو في المعنى جواب شرط مقدر أي إن كنت في ريب من ذلك فأرجع البصر حتى يتضح الحال ولا يبقى لك ريب وشبهة في تحقق ما تضمنه ذلك المقال من تناسب خلق الرحمن واستجماعه ما ينبغي له. والفطور قال مجاهد : الشقوق جمع فطر وهو الشق ، يقال : فطره فانفطر. والظاهر أن المراد الشق مطلقا لا الشق طولا على ما هو أصله كما قال الراغب. وفي معناه قول أبي عبيدة : الصدوع ، وأنشدوا قول عبيد الله بن عقبة بن مسعود :
شققت القلب ثم ذررت فيه |
|
هواك فليط فالتأم الفطور |
وقول السدي : الخروق ، وأريد بكل ذلك على ما يفهم من كلام بعض الأجلة الخلل وبه فسره قتادة وفسره ابن عباس بالوهن وجملة (هَلْ تَرى) إلخ قال أبو حيان : في موضع نصب بفعل معلق محذوف أي فانظر هل ترى أو ضمن (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) معنى فانظر ببصرك (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) أي رجعتين أخريين في ارتياد الخلل والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما قالوا في لبيك وسعديك أي رجعة بعد رجعة أي رجعات كثيرة بعضها في أثر بعض ، وهذا كما أريد بأصل المثنى التكثير في قوله :
لوعد قبر وقبر كان أكرمهم |
|
بيتا وأبعدهم عن منزل الذام |
فإنه يريد لو عدت قبور كثيرة وقيل هو على ظاهره وأمر برجع البصر إلى السماء مرتين إذ يمكن غلط في الأولى فيستدرك بالثانية أو الأولى ليرى حسنها واستواءها والثانية ليبصر كواكبها في سيرها وانتهائها وليس