(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(١٠٤) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٠٥)
____________________________________
(أَلَمْ يَعْلَمُوا) وقرىء بالتاء والضمير إما للتائبين فهو تحقيق لما سبق من قبول توبتهم وتطهير الصدقة وتزكيتها لهم وتقرير لذلك وتوطين لقلوبهم ببيان أن المتولى لقبول توبتهم وأخذ صدقاتهم هو الله سبحانه وإن أسند* الأخذ والتطهير والتزكية إليه صلىاللهعليهوسلم أى ألم يعلم أولئك التائبون (أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ) الصحيحة الخالصة* (عَنْ عِبادِهِ) المخلصين فيها ويتجاوز عن سيئاتهم كما يفصح عنه كلمة عن والمراد بهم إما أولئك التائبون ووضع المظهر فى موضع المضمر للإشعار بعلية العبادة لقبولها وإما كافة العباد وهم داخلون فى ذلك دخولا أوليا* (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) أى يقبل صدقاتهم على أن اللام عوض عن المضاف إليه أو جنس الصدقات المندرج تحته صدقاتهم اندراجا أوليا أى هو الذى يتولى قبول التوبة وأخذ الصدقات وما يتعلق بها من التطهير والتزكية وإن كنت أنت المباشر لها ظاهرا وفيه من تقرير ما ذكر ورفع شأن النبى صلىاللهعليهوسلم على نهج قوله تعالى* (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) ما لا يخفى (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) تأكيد لما عطف عليه وزيادة تقرير لما يقرره مع زيادة معنى ليس فيه أى ألم يعلموا أنه المختص المستأثر ببلوغ الغاية القصوى من قبول التوبة والرحمة وأن ذلك سنة مستمرة له وشأن دائم والجملتان فى حيز النصب بيعلموا بسد كل واحدة منهما مسد مفعوليه وإما لغير التائبين من المؤمنين فقد روى أنهم قالوا لما تيب على الأولين هؤلاء الذين تابوا كانوا بالأمس معنا لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم فنزلت أى ألم يعلموا ما للتائبين من الخصال الداعية إلى التكرمة والتقريب والانتظام فى سلك المؤمنين والتلقى بحسن القبول والمجالسة فهو ترغيب لهم فى التوبة والصدقة وقوله تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا) زيادة ترغيب لهم فى العمل الصالح الذى من جملته التوبة وللأولين فى الثبات على ما هم عليه أى قل لهم بعد ما بان لهم شأن التوبة اعملوا ما تشاؤن من الأعمال فظاهره* ترخيص وتخيير وباطنه ترغيب وترهيب وقوله عزوجل (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) أى خيرا كان أو شرا* تعليل لما قبله وتأكيد للترغيب والترهيب والسين للتأكيد (وَرَسُولُهُ) عطف على الاسم الجليل وتأخيره* عن المفعول للإشعار بما بين الرؤيتين من التفاوت (وَالْمُؤْمِنُونَ) فى الخبر لو أن رجلا عمل فى صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله إلى الناس كائنا ما كان والمعنى إن أعمالكم غير خافية عليهم كما رأيتم وتبين لكم ثم إن كان المراد بالرؤية معناها الحقيقى فالأمر ظاهر وإن أريد بها مآلها من الجزاء خيرا أو شرا فهو خاص بالدنيوى من إظهار المدح والثناء والذكر الجميل والإعزاز ونحو ذلك من الأجزية وأضدادها* (وَسَتُرَدُّونَ) أى بعد الموت (إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) فى وضع الظاهر موضع المضمر من تهويل