(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١١٨)
____________________________________
التمر المدود والشعير المسوس والإهالة الزنخة وبلغت بهم الشدة إلى أن اقتسم التمرة اثنان وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء المتغير وفى عسرة من الماء حتى نحروا الإبل واعتصروا فروثها وفى شدة زمان من حمارة القيظ ومن الجدب والقحط والضيقة الشديدة ووصف المهاجرين والأنصار بما ذكر من اتباعهم له عليه الصلاة والسلام فى مثل هاتيك المراتب من الشدة للمبالغة فى بيان الحاجة إلى التوبة فإن ذلك حيث لم يغنهم عنها فلأن لا يستغنى عنها غيرهم أولى وأحرى (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) بيان لتناهى* الشدة وبلوغها إلى ما لا غاية وراءها وهو إشراف بعضهم على أن يميلوا إلى التخلف عن النبى صلىاللهعليهوسلم وفى كاد ضمير الشأن أو ضمير القوم الراجع إليه الضمير فى منهم وقرىء بتأنيث الفعل وقرىء من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم يعنى المتخلفين من المؤمنين كأبى لبابة وأضرابه (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) تكرير للتأكيد وتنبيه* على أنه يتاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة والمراد أنه تاب عليهم لكيدودتهم (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) * استئناف تعليلى فإن صفة الرأفة والرحمة من دواعى التوبة والعفو ويجوز كون الأول عبارة عن إزالة الضرر والثانى عن إيصال المنفعة وأن يكون أحدهما للسوابق والآخر للواحق (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) أى وتاب الله على الثلاثة الذين أخر أمرهم عن أمر أبى لبابة وأصحابه حيث لم يقبل معذرتهم مثل أولئك ولا ردت ولم يقطع فى شأنهم بشىء إلى أن نزل فيهم الوحى وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وقرىء خلفوا أى خلفوا الغازين بالمدينة أو فسدوا من الخالفة وخلوف الفم وقرىء على المخلفين والأول هو الأنسب لأن قوله تعالى (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ) غاية للتخليف ولا يناسبه إلا المعنى* الأول أى خلفوا وأخر أمرهم إلى أن ضاقت عليهم الأرض (بِما رَحُبَتْ) أى برحبها وسعتها لإعراض* الناس عنهم وانقطاعهم عن مفاوضتهم وهو مثل لشدة الحيرة كأنه لا يستقر به قرار ولا تطمئن له دار (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) أى إذا رجعوا إلى أنفسهم لا يطمئنون بشىء لعدم الأنس والسرور واستيلاء* الوحشة والحيرة (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) أى علموا أنه لا ملجأ من سخطه تعالى إلا إلى* استغفاره (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) أى وفقهم للتوبة (لِيَتُوبُوا) أو أنزل قبول توبتهم ليصيروا من جملة التوابين* ورجع عليهم بالقبول والرحمة مرة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم (إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ) المبالغ فى* قبول التوبة كما وكيفا وإن كثرت الجنايات وعظمت (الرَّحِيمُ) المتفضل عليهم بفنون الآلاء مع استحقاقهم* لأفانين العقاب. روى أن ناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم منهم من بدا له وكره مكانه فلحق به صلىاللهعليهوسلم. عن الحسن رضى الله عنه أنه قال بلغنى أنه كان لأحدهم حائط كان خيرا من مائة ألف درهم فقال يا حائطاه ما خالفنى إلا ظلك وانتظار ثمارك اذهب فأنت فى سبيل الله ولم يكن لآخر إلا أهله فقال يا أهلاه ما بطأنى ولا خلفنى إلا الفتن بك فلا جرم والله لأكابدن الشدائد حتى ألحق برسول الله صلىاللهعليهوسلم فتأبط زاده ولحق به صلىاللهعليهوسلم قال الحسن رضى الله عنه كذلك والله المؤمن يتوب من ذنوبه ولا يصر عليها