(وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦) لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١١٧)
____________________________________
مِنْهُ) أى تنزه عن الاستغفار له وتجانب كل التجانب وفيه من المبالغة ما ليس فى تركه ونظائره (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ) لكثير التأوه وهو كناية عن كمال الرأفة ورقة القلب (حَلِيمٌ) صبور على الأذية والمحنة وهو استئناف لبيان ما كان يدعوه عليه الصلاة والسلام إلى ما صدر عنه من الاستغفار وفيه إيذان بأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان أواها حليما فلذلك صدر عنه ما صدر من الاستغفار قبل التبين فليس لغيره أن يأتسى به فى ذلك وتأكيد لوجوب الاجتناب عنه بعد التبين بأنه عليه الصلاة والسلام تبرأ منه بعد التبين وهو فى كمال رقة القلب والحلم فلا بد أن يكون غيره أكثر منه اجتنابا وتبرؤا وأما أن الاستغفار قبل التبين لو كان غير محظور لما استثنى من الائتساء به فى قوله تعالى (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) فقد حقق فى سورة مريم بإذن الله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً) أى ليس من عادته أن يصفهم بالضلال* عن طريق الحق ويجرى عليهم أحكامه (بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) للإسلام (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ) بالوحى صريحا أو* دلالة (ما يَتَّقُونَ) أى ما يجب اتقاؤه من محظورات الدين فلا ينزجروا عما نهوا عنه وأما قبل ذلك فلا يسمى ما صدر عنهم ضلالا ولا يؤاخذون به فكأنه تسلية الذين استغفروا للمشركين قبل ذلك* وفيه دليل على أن الغافل غير مكلف بما لا يستبد بمعرفته العقل (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تعليل لما سبق أى إنه تعالى عليم بجميع الأشياء التى من جملتها حاجتهم إلى بيان قبح ما لا يستقل العقل فى معرفته فيبين لهم ذلك كما فعل ههنا (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من غير شريك له فيه (يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) لما منعهم من الاستغفار للمشركين وإن كانوا أولى قربى وضمن ذلك التبرؤ منهم رأسا بين لهم أن الله تعالى مالك كل موجود ومتولى أموره والغالب عليه ولا يتأتى لهم نصر ولا ولاية إلا منه تعالى ليتوجهوا إليه بشرا شرهم متبرئين عما سواه غير قاصدين إلا إياه (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ) قال ابن عباس رضى الله عنهما هو العفو عن إذنه للمنافقين فى التخلف عنه (وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) قيل هو فى حق زلات سبقت منهم يوم أحد ويوم حنين وقيل المراد بيان فضل التوبة وأنه ما من مؤمن* إلا وهو محتاج إليها حتى النبى صلىاللهعليهوسلم لما صدر عنه فى بعض الأحوال من ترك الأولى (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) ولم* يتخلفوا عنه ولم يخلوا بأمر من أوامره (فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) أى فى وقتها والتعبير عنه بالساعة لزيادة تعيينه وهى حالهم فى غزوة تبوك كانوا فى عسرة من الظهر يعتقب عشرة على بعير واحد ومن الزاد تزودوا