(أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٩)
____________________________________
عنها من الأحوال المعدودة وتكرير الموصول للتوسل به إلى جعل صلته جملة اسمية منبئة عما هم عليه من استمرار الغفلة ودوامها وتنزيل التغاير الوصفى منزلة التغاير الذاتى إيذانا بمغايرة الوصف الأخير للأوصاف الأول واستقلاله باستتباع العذاب هذا وأما ما قيل من أن العطف إما لتغاير الوصفين والتنبيه على أن الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأسا والانهماك فى الشهوات بحيث لا يخطر ببالهم الآخرة أصلا وإما لتغاير الفريقين والمراد بالأولين من أنكر البعث ولم يرد إلا الحياة الدنيا وبالآخرين من ألهاه حب العاجل عن التأمل فى الآجل فكلام ناء عن السداد فتأمل (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر ٨ من صفات السوء (مَأْواهُمُ) أى مسكنهم ومقرهم الذى لا براح لهم منه (النَّارُ) لا ما اطمأنوا بها من الحياة* الدنيا ونعيمها (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الأعمال القلبية المعدودة وما يستتبعه من أصناف المعاصى والسيئات* أو بكسبهم إياها والجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل للدلالة على الاستمرار التجددى والباء متعلقة بمضمون الجملة الأخيرة الواقعة خبرا عن اسم الإشارة وهو مع خبره خبر لإن فى قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) الخ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أى فعلوا الإيمان أو آمنوا بما يشهد به الآيات التى غفل عنها الغافلون أو بكل ما يجب أن يؤمن به فيندرج فيه ذلك اندراجا أوليا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أى الأعمال* الصالحة فى أنفسها اللائقة بالإيمان وإنما ترك ذكر الموصوف لجريانها مجرى الأسماء (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ) * أوثر الالتفات تشريفا لهم بإضافة الرب وإشعارا بعلة الهداية (بِإِيمانِهِمْ) أى يهديهم بسبب إيمانهم إلى* مأواهم ومقصدهم وهى الجنة وإنما لم تذكر تعويلا على ظهورها وانسياق النفس إليها لا سيما بملاحظة ما سبق من بيان مأوى الكفرة وما أواهم إليه من أعمالهم السيئة ومشاهدة ما لحق من التلويح والتصريح وفى النظم الكريم إشعار بأن مجرد الإيمان والعمل الصالح لا يكفى فى الوصول إلى الجنة بل لا بد بعد ذلك من الهداية الربانية وأن الكفر والمعاصى كافية فى دخول النار ثم إنه لا نزاع فى أن المراد بالإيمان الذى جعل سببا لتلك الهداية هو إيمانهم الخاص المشفوع بالأعمال الصالحة لا الإيمان المجرد عنها ولا ما هو أعم منهما إلا أن ذلك بمعزل عن الدلالة على خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان الخالى عن العمل الصالح يفضى إلى الجنة فى الجملة ولا يخلد صاحبه فى النار فإن منطوق الآية الكريمة أن الإيمان المقرون بالعمل الصالح سبب للهداية إلى الجنة وأما أن كل ما هو سبب لها يجب أن يكون كذلك فلا دلالة لها ولا لغيرها عليه قطعا كيف لا وقوله عزوجل (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) مناد بخلافه فإن المراد بالظلم هو الشرك كما أطبق عليه المفسرون والمعنى لم يخلطوا إيمانهم بشرك ولئن حمل على ظاهره أيضا يدخل فى الاهتداء من آمن ولم يعمل صالحا ثم مات قبل أن يظلم