(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣٧)
____________________________________
يقارنه وبالقصر ما أشير إليه من أن لا يكون لهم فى أثنائه اتباع لفرد من أفراد العلم والتفات إليه ووجه تخصيص هذا الاتباع بأكثرهم الإشعار بأن بعضهم قد يتبعون العلم فيقفون على حقية التوحيد وبطلان الشرك لكن لا يقبلونه مكابرة وعنادا فيحصل بالنسبة إليهم التأثر من البرهان المزبور وإن لم يظهروه وكونهم أشد كفرا وأكثر عذابا من الفريق الأول لا يقدح فيما يفهم من فحوى الكلام عرفا من كون أولئك أسوأ حالا من غيرهم إذ المعتبر سوء الحال من حيث الفهم والإدراك لا من حيث الكفر والعذاب أو ما يتبع أكثرهم مدة عمرهم إلا ظنا ولا يتركونه أبدا فإن حرف النفى الداخل على المضارع يفيد استمرار النفى بحسب المقام فالمراد بالاتباع حينئذ هو الإذعان والانقياد والقصر باعتبار الزمان ووجه تخصيص هذا الاتباع بأكثرهم مع مشاركة المعاندين لهم فى ذلك التلويح بما سيكون من بعضهم من اتباع الحق والتوبة كما سيأتى هذا وقد قيل المعنى وما يتبع أكثرهم فى إقرارهم بالله تعالى إلا ظنا غير مستند إلى برهان عندهم وقيل وما يتبع أكثرهم فى قولهم للأصنام أنها آلهة إلا ظنا والمراد بالأكثر الجميع فتأمل وقيل الضمير فى أكثرهم للناس فلا حاجة إلى التكليف (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ) من العلم اليقينى والاعتقاد الصحيح* المطابق للواقع (شَيْئاً) من الإغناء ويجوز أن يكون مفعولا به ومن الحق حالا منه والجملة استئناف* ببيان شأن الظن وبطلانه وفيه دلالة على وجوب العلم فى الأصول وعدم جواز الاكتفاء بالتقليد (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) وعيد لهم على أفعالهم القبيحة فيندرج تحتها ما حكى عنهم من الإعراض عن البراهين القاطعة والاتباع للظنون الفاسدة اندراجا أوليا وقرىء تفعلون بالالتفات إلى الخطاب لتشديد الوعيد (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ) شروع فى بيان ردهم للقرآن الكريم إثر بيان ردهم للأدلة العقلية المندرجة فى تضاعيفه أى وما صح وما استقام أن يكون هذا القرآن المشحون بفنون الهدايات المستوجبة للاتباع التى من جملتها هاتيك الحجج البينة الناطقة بحقية التوحيد وبطلان الشرك (أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) أى* افتراء من الخلق أى مفترى منهم سمى بالمصدر مبالغة (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب* الإلهية المشهود على صدقها أى مصدقا لها كيف لا وهو لكونه معجزا دونها عيار عليها شاهد بصحتها ونصبه بأنه خبر كان مقدرا وقد جوز كونه علة لفعل محذوف تقديره لكن أنزله الله تصديق الخ وقرىء بالرفع على تقدير المبتدأ أى ولكن هو تصديق الخ (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) عطف عليه نصبا ورفعا أى* وتفصيل ما كتب وأثبت من الحقائق والشرائع (لا رَيْبَ فِيهِ) خبر ثالث داخل فى حكم الاستدارك أى* منتفيا عنه الريب أو حال من الكتاب وإن كان مضافا إليه فإنه مفعول فى المعنى أو استئناف لا محل له من الإعراب (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) خبر آخر أى كائنا من رب العالمين أو متعلق بتصديق أو بتفصيل أو بالفعل* المعلل بهما ولا ريب فيه اعتراض كما فى قولك زيد لا شك فيه كريم أو حال من الكتاب أو من الضمير فى