(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٣٦)
____________________________________
لا يخلو عن هداية غيره فى الجملة وأدناها كونه قدوة له بأن يراه فيسلك مسلكه من حيث لا يدرى والفاء لترتيب الاستفهام على ما سبق من تحقق هدايته تعالى صريحا وعدم هداية شركائهم المفهوم من القصر ومن عدم الجواب المنبىء عن الجواب بالعدم فإن ذلك مما يضطرهم إلى الجواب الحق لا لتوجيه الاستفهام إلى الترتيب كما يقع فى بعض المواقع فإن ذلك مختص بالإنكارى كما فى قوله تعالى (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) الخ ونحوه والهمزة متأخرة فى الاعتبار وإنما تقديمها فى الذكر لإظهار عراقتها فى اقتضاء الصدارة كما هو رأى الجمهور حتى لو كان السؤال بكلمة أى لأخرت حتما ألا يرى إلى قوله تعالى (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) إثر تقدير ما يلجىء المشركين إلى الجواب من حالهم وحال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقرىء لا يهدى بمعنى لا يهتدى لمجيئه لازما أو لا يهدى غيره وصيغة التفضيل إما على حقيقتها والمفضل عليه محذوف كما اختاره مكى والتقدير أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع ممن لا يهدى أم من لا يهدى أحق الخ وإما بمعنى حقيق كما اختاره أبو حيان وأيا ما كان فالاستفهام للإلزام وأن يتبع فى حيز النصب أو الجر بعد حذف الجار* على الخلاف المعروف أى بأن يتبع (إِلَّا أَنْ يُهْدى) استثناء مفرغ من أعم الأحوال أى لا يهتدى أولا يهدى غيره فى حال من الأحوال إلا حال هدايته تعالى له إلى الاهتداء أو إلى هداية الغير وهذا حال إشراف شركائهم من الملائكة والمسيح وعزير عليهمالسلام وقيل المعنى أم من لا يهتدى من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه إلا أن ينتقل إليه أو إلا أن ينقله الله تعالى من حاله إلى أن يجعله حيوانا مكلفا فيهديه وقرىء إلا أن يهدى* من التفعيل للمبالغة (فَما لَكُمْ) أى أى شىء لكم فى اتخاذكم هؤلاء شركاء لله سبحانه وتعالى والاستفهام للإنكار* التوبيخى وفيه تعجيب من حالهم وقوله تعالى (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) أى بما يقضى صريح العقل ببطلانه إنكار لحكمهم الباطل وتعجب منه وتشنيع لهم بذلك والفاء لترتيب كلا الإنكارين على ما ظهر من وجوب اتباع الهادى إلى الحق إن قلت التبكيت بالاستفهام السابق إنما يظهر فى حق من يعكس جوابه الصحيح فيحكم بأحقية من لا يهدى بالاتباع دون من يهدى وهم ليسوا حاكمين بأحقية شركائهم لذلك دون الله سبحانه وتعالى بل باستحقاقهما جميعا مع رجحان جانبه تعالى حيث يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قلت حكمهم باستحقاقه تعالى للاتباع بطريق الاشتراك حكم منهم بعدم استحقاقه تعالى لذلك بطريق الاستقلال فصاروا حاكمين باستحقاق شركائهم له دون الله تعالى من حيث لا يحتسبون (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) كلام مبتدأ غير داخل فى حيز الأمر مسوق من قبله تعالى لبيان عدم فهمهم لمضمون ما أفحمهم وألقمهم الحجر من البرهان النير الموجب لاتباع الهادى إلى الحق الناعى عليهم بطلان حكمهم وعدم تأثرهم من ذلك* لعدم اهتدائهم إلى طريق العلم أصلا أن ما يتبع أكثرهم فى معتقداتهم ومحاوراتهم (إِلَّا ظَنًّا) واهيا من غير التفات إلى فرد من أفراد العلم فضلا عن أن يسلكوا مسالك الأدلة الصحيحة الهادية إلى الحق المبنية على المقدمات اليقينية الحقة فيفهموا مضمونها ويقفوا على صحتها وبطلان ما يخالفها من أحكامهم الباطلة فيحصل التبكيت والإلزام فالمراد بالاتباع مطلق الاعتقاد الشامل لما يقارن القبول والانقياد ومالا